منوعات

تصريح الشامي إعلان رسمي بإفلاس لبنان.. فهل تنجح خطة الإنقاذ؟

مرجع مالي: "البنك المركزي" مفلس والودائع تبخرت ولن تعود إلا..

“الدولة أفلست وكذلك مصرف لبنان وللاسف الخسارة وقعت”، هذا التصريح لم يصدر عن خبير اقتصادي أو مالي، ولا حتى عن وزير أو مرجع سابق، ولا عن مؤسسة دولية، بل عن نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي الذي يقود التفاوض مع صندوق النقد ومطّلع على نتائجه، ما يكسب الكلام مصداقية أكبر.

التصريح الذي وصفته مصادر سياسية بـ”الخطير”، هل هو إعلان رسمي بإفلاس لبنان؟ وهل يعني أن مصرف لبنان فقد احتياطاته من العملات الصعبة؟ وأن الودائع المصرفية وأموال اللبنانيين في المصارف قد “تبخّرت”؟ وما هي التداعيات؟ وهل سيدفع هذا الأمر المودعين للمطالبة بالحجز على أملاك وأصول الدولة اللبنانية وليس فقط على أصول المصارف؟

مرجع وزاري مالي سابق يشير لـ “أحوال” الى أن “تعبير نائب رئيس الحكومة غير صحيح، لأن الدولة لا تُفلس، بل لديها اقتصاد متكامل ولو أنه يعاني الاضطراب والخلل في جوانب عدة.. فهناك دولة عدة تعرضت لأزمات كبرى مشابهة للأزمة اللبنانية، كألمانيا واليونان، واستطاعت الخروج منها بخطط مالية – اقتصادية طويلة الأمد، لكن في الوقت نفسه، يضيف المرجع، “لم يعد جائزًا خداع الناس والتعمية على الحقائق والواقع المأساوي الذي وصلنا اليه، فالفجوة المالية الكبرى عبارة عن خسائر مصرف لبنان 72 مليار دولار بعدما كانت 69 مليار دولار في أيلول الماضي، هذا عدا عن ديون الدولة وقسم منها بالدولار والآخر بالليرة اللبنانية (100 ألف مليار ليرة أي حولي 5 مليار دولار بعد انخفاض قيمتها الفعلية بعد انهيار سعر العملة اللبنانية)، أما الديون بالدولار فتبلغ 40 مليار دولار للدول والمؤسسات المالية، من ضمنهم اليوروبوند (حوالي 15 في المئة) والتي لم يتم الاتفاق على كيفية سدادها حتى الآن”.

ويكشف المرجع أن “مصرف لبنان بحالة إفلاس (72 مليار دولار) عجز غير التزامات الدولة”، ويكشف ايضًا أن “أموال المودعين تبخّرت منذ عامين، وبالحد الأدنى نصف الودائع لم تعد موجودة في المصارف، وقد يصار إلى إعادة تكوينها وإعادتها لأصحابها، لكن الأمر يتطلب سنوات.. اليونان مثلًا استغرقت 13 سنة لتسديد ديونها وإعادة الودائع أبان أزمتها في العام 2008، علماً أن اليونان لاقى مساعدة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية وصندوق النقد، ولم يكن يعاني أزمة نقدية ومالية وسياسية وطائفية وحصار مالي ودبلوماسي أميركي أوروبي خليجي وحروب داخلية وخارجية وواقع إقليمي ملتهب كحال لبنان”.

لذلك، يخلص المرجع للقول إن “الخروج من الأزمة يتطلب بالحد الأدنى عشر سنوات، وهذا يحتاج إلى قرار سياسي كبير بإعادة بناء الدولة وتحديد الخيارات الوطنية السياسية والاقتصادية الكبرى، والاتفاق على سياسة خارجية موحدة وعلى قرار الحرب والسلم وسياسة دفاعية لكيفية حماية لبنان وردع الاخطار المحدقة”، وهذا صعب المنال إلا بتسوية إقليمية – دولية قد يكون توقيع التفاهم النووي الإيراني أحد أبوابه.

وإذ لم يصدر تعليق من رئاسة الحكومة على كلام الشامي، دعت مصادر مطلعة على موقف رئيس الحكومة ومشاركة بجزء من ورشة الاجتماعات التي حصلت اليوم في القصر الحكومي، إلى عدم الوقوف عند كلام نائب رئيس الحكومة، والتركيز على ما شهدته السراي الحكومي من اجتماعات موسعة مع صندوق النقد ومنظمات دولية عدة، والمواقف والخطابات التي وضعت الأمور في نصابها وأزالت أي التباس في هذا السياق.

وتركز النقاش خلال الاجتماعات، بحسب ما تشير المصادر لـ”أحوال”، على كيفية الخروج من الأزمة، لافتة إلى أهمية وجود صندوق النقد في لبنان منذ عشرة أيام للتفاوض على رسم الخطوط العريضة للاتفاق على بنود أساسية. وكشفت أن التوجه الحكومي وصندوق النقد الى إقرار مجموعة من البنود الإصلاحية بالتوازي:

-التفاوض على خطة التعافي أو النهوض الاقتصادي
-قانون الموازنة
-قانون “الكابيتال كونترول”

وترفض المصادر نفسها الحديث عن إفلاس الدولة، مفضلة استخدام تعبير “التعثر”، إذ أن لبنان دخل في “حفرة” مالية – اقتصادية – مصرفية – نقدية، لكن هناك إمكانية الخروج منها طالما لبنان يملك مقومات ومقدرات وموارد إذا أحسن إدارتها، بالتوازي مع تسريع وتيرة التفاوض مع صندوق النقد، وبالتالي إعادة دورة الانتاج والنهوض بالاقتصاد ووضع خارطة طريق لإعادة الودائع المصرفية للمودعين والتي لم تتبخر كما يُقال، بل الحقيقة أن لا قدرة للمصارف على إعادة الودائع كاملة في وقت واحد، قبل إعادة جدولتها وإقرار “الكابيتال كونترول” وإعادة هيكلة القطاع المصرفي.

أوساط اقتصادية ومصرفية عليمة تؤكد لـ”أحوال” صحة ما قاله الشامي، وتكشف أن معظم الودائع تبخرت منذ فترة طويلة، وتشير إلى أن “الدولة ومصرف لبنان كانا يأكلان بعضهما ويصرفان من أموال المودعين بتسهيل من البنك المركزي، بهدف تثبيت سعر صرف الليرة وتمويل إنفاق الدولة وعجز الكهرباء وسياسة دعم المحروقات والمواد الغذائية”.

وحذرت من أنه في حال لم يتم توقيع الاتفاق مع صندوق النقد، فالبلد سيسقط في مهوار كبير.. وترى بأن الحل الوحيد للخروج من الأزمة إقرار 4 قوانين قبل الانتخابات يطلبها صندوق النقد لتوقيع الاتفاق، وهي:

-“الكابيتال كونترول”
-تعديل قانون السرية المصرفية
-إعادة هيكلة المصارف
-قانون الموازنة

ويجري الحديث في الكواليس السياسية عن تأجيل الانتخابات لثلاثة أشهر لتمرير هذه القوانين، طالما أن لا يمكن إقرارها خلال شهر واحد قبل نهاية ولاية المجلس وتحول الحكومة إلى تصريف أعمال، وسط مخاوف من تعذّر تأليف حكومة جديدة واقتراب موعد استحقاق رئاسة الجمهورية من دون الاتفاق على رئيس.

محمد حمية

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى