خاص “أحوال”: مفاجأة في ملف مخازن الدجاج الفاسد في زكريت
الفحوصات المخبريّة أظهرت أنّ العيّنات مطابقة للمواصفات ووزارة الصحّة لا تعلق
في الدّول الديمقراطيّة والحضاريّة، يشرف الوزراء على رسم سياسات الوزارات ويتولّون صناعة القرار والإشراف على تطبيقه لا تطبيقه شخصياً إذ إنّ هذا الأمر يقع على عاتق الجسم الإداري في كل وزارة. بالطبع يسعون لتلميع صورتهم والترويج لأفكارهم ولكن ليس عبر استغلال النّفوذ بل عبر ممارساتهم.
أمّا في لبناننا، فوزراء كثر يستغلّون القرارات لا يصنعونها ويسمحون لأنفسهم بتطبيقها متخطين أصول العمل المؤسساتي. لذا نشهد “عراضة” الحملات والمداهمات التي يدمن بعضهم في كل حكومة على القيام بها شخصياً، مسجلين “بطولات” على الشاشات حيث يطلبون من وسائل الإعلام ملاقاتهم للتغطية مما يفشي معظم الأحيان مكان وزمان المداهمة وذلك عوض ترك أجهزة التفتيش في كل وزارة تقوم بدورها.
الكثير من الحملات “عراضات” إعلامية
في هذا الإطار، هناك مشاهد عالقة في أذهان اللبنانيين، منها على سبيل المثال الوزير الذي طالب خلال إحدى جولاته بمعاقبة دركي عبر سجنه ثلاثة أيام تأديبياً بمجرد أنّ زجاج سيارته داكن!!! فيما السيارات بلا نمر تسرح وتمرح في أكثر من منطقة والمطلوبون للعدالة يعقدون المؤتمرات الصحافية ولم يجرؤ على ملاحقتهم جدياً. كذلك، الوزير الذي إحترف عقد المؤتمرات الصحافية بشكل يومي والدخول في زواريب “الجوانح والفخاد” عوض ترك المهمة للدائرة المعنية بالوزارة كي تصدر تقارير يومية. حتى وصل الأمر بهؤلاء الوزراء الى أن يصبحوا ضليعين بإختيار الـ peak time أي نشرات الظهيرة لعقد مؤتمر صحافي أو تنفيذ مداهمة، وفي بعض الأحيان ينتظرون نشرة المساء.
للإنصاف، ثمة تجربة وزارية مختلفة قام بها وزير العمل السابق كميل أبو سليمان الذي أطلق حملة لمكافحة اليد العاملة غير الشرعية طبقت في كل المناطق والحصيلة خلال نحو 4 اشهر: تفتيش 3066 مؤسسة، 141 إقفالاً، 2546 محضر ضبط و583 إنذاراً. لقد اكتفى أبو سليمان بإطلاق الحملة في مؤتمر صحافي يتيم ولم ينزل الى الأرض ولا حتى مستشاريه بل حصر التواصل مع الإعلام بالكوادر المعنية في الوزارة.
بغض النظر عن حسن نوايا الوزراء وجهودهم أو النظريات القائلة إن حضورهم على الأرض “يفرض الهيبة” وكثرة مؤتمراتهم الصحافية قد تخلق وعياً، لكن ثمة شعور ينتاب اللبنانيين بأن الكثير من هذه الحملات هي “عراضات” إعلامية إما لتسجيل بطولات أو لحرف الأنظار عن مشاكل أو إخفاقات أخرى.
الراسي: وكلائي “ضحية” المداهمة ونتائج الفحوصات أتت صالحة
رغم الوضع الكارثي الذي يعيشه لبنان في السنة الأخيرة، لم تتوقف ظاهرة قيام الوزراء بحملات تفتيش ودهم على الأرض من المزارع الى السوبرماركات إلى مخازن الأدوية والصيدليات، ولكن أبرز مداهمة كانت لثلاثة مستودعات في بلدة زكريت في 21 تموز 2020 تلاها مداهمات في أكثر من بلدة متنية حيث نفذتها الجمارك بحضور وزارتي الاقتصاد والصحة. تم تأخير تغطيتها لساعات كي تكون مباشرة في نشرة المساء، ولأهميتها حضر وزير الصحة حمد حسن على وجه السرعة معلناً للبنانيين العثور على أطنان من الدجاج يعود تاريخ صلاحية بعضها الى العام 2018.
إلا انه مضى نحو 4 أشهر على تلك المداهمة وحتى اليوم لم يتم إطلاع اللبنانيين على حقيقة ما جرى بالملف. ماذا أتت نتائج العينات في المختبرات؟! أين أصبح الحكم القضائي؟!
المحامية كارول الراسي وكيلة أصحاب المستودعات أشارت لـ”احوال” انهم كانوا “ضحية المداهمة ولم يضئ أحد على نتائج الفحوصات المخبرية للبضائع أكان في زكريت أو جل الديب أو الزلقا أو في السوبرماركات وفي شتورا حيث كل النتائج أتت صالحة”.
كما شددت الراسي على أن المواد المعدة للتلف كانت موضوعة جانباً ولم تستخدم، مضيفة: “منذ 4 اشهر وانا اعمل على التخلّص من هذه البضائع المنتهية الصلاحية. زرت كل الوزرات المعنية و”قبّلت” الأيادي، معاناة لا توصف. وأخيرا ًصدر قرار بفك الشمع الأحمر عن المعمل”.
ولدى إستيضاحنا متى صدر القرار وعلى ماذا اعتمد، سارعت الراسي بالتحجج أنها مضطرة للدخول الى الاجتماع وستعاود الاتصال فور إنتهائه للإجابة. مضت 72 ساعة ونحن نحاول التواصل معها قبل أن تجيب في نص عبر “واتساب”: “القاضية أصدرت قراراً بمنع الكلام بالموضوع عبر الإعلام تحت طائلة الملاحقة”. حاولنا الاستفسار منها عن القرار مطالبين بإمكان على نسخة منه، فلم تعد تجيب!!!
أسئلة برسم وزير الصحة
في المقابل، حاولنا التواصل مباشرة مع وزير الصحة حمد حسن ولكن تعذر ذلك ربما لإنشغاله بجائحة كورونا، تواصلنا مع مستشاره الاعلامي السيد رضا الموسوي طالبين إجابات على الاسئلة الاتية:
1-ما تعليقكم على تأكيد المحامية أن كل النتائج المخبرية أتت سليمة وانهم كانوا ضحية المداهمة؟
2-تحدثت المحامية عن قرار صدر بفك الشمع الاحمر، فما هو تعليقكم؟
3-في حال كان الجواب الملف بالقضاء، هل كان من الأفضل حينها عدم طرحه إعلامياً من قبل الوزير شخصياً قبل قرار القضاء؟
4-هناك من يعتبر أن نزول الوزراء خلال الحكومات المتعاقبة على المداهمات تخطٍ لإطار العمل المؤسساتي، إذ دورهم رسم السياسات ومراقبة تطبيق الأجهزة للمداهمات لا الحلول مكانها، فما هو رأيكم؟
لكن الموسوي أحالنا على مديرة الوقاية في الوزارة المهندسة جويس حداد، فقلنا له إنها بصفتها الوظيفية غير مؤهلة للإجابة أقله على السؤالين 3 و 4. ولأننا لم نحصل على جواب منه، نضع هذه الاسئلة بعهدة القراء. فيما حداد أكدت ان لا تعليق لأن الملف بعهدة القضاء.
“أحوال” حصل على نتائج تقرير فرع الجرائم في مصلحة الأبحاث الزراعية التي أكدت في خلاصة تقريرها أن العينات التي فحصت مطابقة للمواصفات القياسية المعتمدة للتحاليل.
بناء على ما تقدم، أليس من حق اللبنانيين أن يعلموا إن كانت فعلاً المواد المنتهية الصلاحية مستخدمة في مواد موزعة في الاسواق؟ لماذا كانت المواد المنتهية الصلاحية موجودة في منطقة الانتاج في المعملproduction area خلافاً للقوانين كما أعلن حسن، عوض أن تكون في منطقة مخصصة للمواد التي يجب تلفها؟ إن أتت التحاليل مطابقة للمواصفات، فهل ذلك يعني أن إطلالة حسن كانت متسرّعة؟ ومن يعوض حينها لأصحاب المستودعات عن السمعة السيئة التي لحقت بهم؟ هل يجوز البطء في المسار القضائي في قضية بهذا الحجم على صعيد الامن الغذائي؟
جورج العاقوري