بين إنتصار سالي حافظ وفوز “مياس”.. بلاد الأرز الى أين؟
بينما كانت المواطنة المقهورة سالي الحافظ تقوم بما لم تتخيل يوما انها ستجبر على فعله من خلال دخولها الى المصرف بسلاح “لعبة” من اجل تحصيل حقوقها المشروعة، والتي حرمت منها بسبب سياسة الطبقة الحاكمة التي أوصلت بلاد الأرز الى القعر، كانت فرقة مياس اللبنانية تحقق انجازا للبنان رغم كل الأزمات والويلات التي يعيشها ابناؤه على أرض الوطن، وليس في المغتربات التي باتت وطن اللبنانيين حيث باتوا قادرين على الحياة بكرامة مفقودة في وطنهم.
ولكن ما حققته سالي حافظ يعتبر انجازا أيضا للبنان وشعبه، فهي تمكنت من أن تسترد بعضا من حقها وجنى عمرها، الذي ضاع في دهاليز الاداء السيء للمنظومة الحاكمة منذ اتفاق الطائف وحتى يومنا هذا، والذي لا زال يكرَر نفسه رغم تبدل بعض الاسماء والعناوين، لكن المضمون بقي ثابتا ومتجذرا عبر شراكة مالية – سياسية، ادخلت لبنان في نفق المديونية والعجز المالي، كنتيجة لهذه السياسة الاقتصادية الريعية التي لم تنتج سوى الازمات والانهيارات الاقتصادية والاجتماعية، التي بلغت أقصاها اليوم بعد الانهيار الذي شهدته الليرة اللبنانية، التي فقدت حوالي 90 بالمئة من قيمتها امام الدولار،
ومعها انهارت حياة مئات الاف اللبنانيين العالقين بين مطرقة المصارف التي تحتجز اموالهم، وسندان انهيار العملة الوطنية حيث باتت رواتبهم لا تساوي شيئا امام وحش الغلاء الذي يلتهم راتب الموظف، بفاتورة سوبرماركت او علبة دواء او اشتراك مولد، دون ان ندخل في تفاصيل وحش الاقساط المدرسية التي باتت تقصم ظهر المواطن، الباحث عن تأمين العلم اللائق لأبنائه، لعلَ ذلك يساهم بهجرتهم بعد التخرَج.
ويبدو ان درب جلجلة اللبنانيين مستمر في ظل انسداد افق الحلول السياسية – الاقتصادية، فالكهرباء غائبة ولبنان غارق بالظلمة من اقصاه الى اقصاه، بينما ازمات المحروقات والدواء متواصلة، والاضرابات تشل مختلف ادارات القطاع العام، في وقت يبدو ان المصارف ستتخذ من عمليات الدخول اليها بقوة السلاح ذريعة كي تقفل ابوابها، والامعان في تعميق معاناة المواطنين للحصول على اموالهم المحتجزة.
كل ذلك يأتي في ظل عجز تام عن اجتراح اي حلول في المدى المنظور، فالازمة الاقتصادية تنسحب على الوضع السياسي حيث ان تشكيل الحكومة لا يزال في الثلاجة، بانتظار معجزة ما قد تكون بافضل الاحوال تعويم حكومة تصريف الاعمال مع بعض التعديلات، كما بات واضحا ان المشهد الرئاسي يتجه نحو الشغور في الزمن القاتل، بينما ملف ترسيم الحدود البحرية لا ينتظر اي تسويف او مماطلة او فراغ على مستوى ادارة البلد.
اذا بين مشهد سالي الحافظ التي تحولت الى رمز لانتصار كل مواطن مظلوم من قبل سلطة سياسية – مالية، تمعن بإذلال مواطنيها على ابواب المستشفيات والمخابز ومحطات الوقود، وبين لحظة فوز فرقة مياس التي خرقت جدار اليأس وأضاءت شعلة الأمل في بلاد الأرز التي ترفض ان تموت او تسحق، وللاسف ليس من قبل عدو طامع في الاستيلاء على ثروة لبنان النفطية في المياه اللبنانية، عبر مخطط لإنشاء منطقة أمنية في البحر، بل على أيدي من يفترض انهم في موقع المسؤولية وسدة الحكم، من اجل قيادة سفينة لبنان نحو بر الآمان.
يوسف الصايغ