منوعات

الدولار يعود إلى “جنونه”… أيام سوداء بعد الصيف؟

يتقلّب اللبنانيون على جمر الأزمات ونار الدولار والعملة الخضراء تكوي الجميع باعةً ومشترين. فبعد أن لعب الموسم السياحي دوره في التدفقات المالية التي ترِد إلى البلاد من المغتربين بالعملة الصعبة من الحركة السياحية والتي ساهمت في استقرار نسبي للدولار في السوق السوداء على مستويات مرتفعة لمدة شهرين تقريباً ، يشهد الدولار ارتفاعاً جنونياً من جديد مسجلاً أرقاماً قياسية مع اقتراب نهاية فصل الصيف وعودة المغتربين إلى بلادهم. فكيف فسّر الخبراء تقلبات الدولار وما علاقتها بالموسم السياحي؟

من يتجول في لبنان، يلحظ ازدهار موسم السياحة الصيفية، وهو ما يتناقض مع واقع بلد يعيش “انهيار القرن”، إذ تشير الحركة السياحية الناشطة التي شهدتها البلاد خلال الشهرين الماضيين إلى عودتها للخريطة السياحية العالمية، ورغم الأزمة الاقتصادية والمالية قصد المغتربون والسياح لبنان بعد انقطاع لسنتين بسبب جائحة “كورونا”، ما أدى إلى ارتفاع نسبة الحجوزات في الفنادق وزحمة تشهدها المطاعم.
وفي هذا السياق، أكّد صاحب إحدى الفنادق في منطقة الحمرا أنّ “الإقبال خلال موسم الصيف كبير، وشهدت الفنادق حركة حجوزات مفولة فإلى جانب المغتربين اللبنانيين الذين يشكلون 70% من الوافدين، كان لدينا سياح من العراق والاردن ومصر ودول الخليج”.

هذا بالنسبة للفنادق أما بالنسبة لباقي المؤسسات السياحية أكانت مقاهي أو مطاعم او ملاهي ليلية أو بيوت ضيافة فأيضاً شهدت حجوزات ملحوظة خلال الصيف وكلها “بالفريش دولار”، الأمر الذي ساعد لبنان على الاستفادة من الموسم السياحي، خصوصاً بعد أن بادر وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال وليد نصّار إلى إعطاء المؤسسات السياحية ضوءاً أخضر للإعلان عن أسعارهم بالدولار، وبرر قراره حينها بأن المؤسسات السياحية تدفع أكلافاً بالدولار.
وتشير التقديرات إلى تدفق 3.5 مليارات دولار تقريباً إلى لبنان خلال الموسم السياحي وتحديداً في شهري تموز وآب وهي أرقام فاقت التوقعات، فلبنان الذي يعاني من انهيارات بالجملة وعلى رأسها شح الدولار وتقلبات “جنونية” في سعر صرفه، تمكن خلال الصيف أن يحافظ على ارتفاع الدولار بهامش ضيق.

الخبير الاقتصادي البرفسور بيار الخوري يوضح لـ “أحوال ميديا” أنه “رغم التوترات الجيو-سياسية الحاصلة حول لبنان وتأزم موضوع ترسيم الحدود البحرية نجح الموسم الصيفي بشكل معقول، إذ تشير الأرقام الرسمية في لبنان إلى أن حركة المطار في بيروت سجّلت خلال الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام عبور نحو 4 ملايين مسافر، مقارنة بـ2.05 مليون مسافر خلال الفترة المماثلة من العام الماضي. بمعنى آخر، شهد العام الحالي زيادة تجاوزت نسبتها 95% بين الفترتين، في دلالة واضحة على عودة انتعاش الحركة السياحية هذا العام وادخال الدولارات الى لبنان”.
ووفق الخوري فإن “هذا الموسم السياحي ساهم في ضخ مزيد من العملات الأجنبية إلى لبنان، والحد من الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار، وهذا لا يعني أن سعر الصرف انخفض خلال هذه الفترة، فالجميع متفق على أنه في الصيف، كان اتجاهه تصاعدياً ولكن ليس حاداً.

ويعزو سبب ذلك إلى “عرض الدولارات واستمرار تطبيق تعميم 161 اللذين ساهما في أن يكون ارتفاع سعر صرف الدولار، بهامش ضيق وفي الوقت عينه مرتفع من مستوى إلى آخر، حيث سجل سعر صرف الدولار فروقات بسيطة بقيمة 500 ليرة في الأسبوع وبعدها 1000 ليرة أسبوعياً، ومن ثم يومياً وما زال يتذبذب على الحدود المرتفعة”.

مع كل المؤشرات الإيجابية من التحويلات لا يبدو أن الليرة اللبنانية قد تمكّنت من حصد ثمار الموسم السياحي كما يجب، فكلما اقتربنا من نهاية الموسم كلما لاحظنا ارتفاعاً لسعر صرف الدولار، وكل ذلك يعود لعدم توافر العملات الأجنبية، فلبنان بلد يقوم على التحويلات وليس على الانتاج، الذي يمكن أن يخلق إطاراً صحياً لتوفر العملة الصعبة.

ويوضح الخبير الاقتصادي “أنّ لبنان في خضم أزمة عالمية كبيرة جداً عنوانها الأساسي حاجة الدول للعملات الأجنبية، من أجل تمويل مشتريات الطاقة ومشتريات الغذاء، وباقي مشتريات السلع المعمرة الخاضعة لتضخم كبير عبر العالم، وهو ما يشكل نزف احتياطي للعملات الاجنبية، فكيف الحال في بلد مثل لبنان يعاني أصلاً من شح في توفر الدولار”؟.

إذا العوامل الضاغطة وغياب الخطط الاصلاحية وتعثر تطبيق خطة التعافي المالي، وتأخّر لبنان في تنفيذ شروط التفاهم المعقود على مستوى الموظفين مع صندوق النقد، وتعطيل المسار السياسي كما نهاية فصل الصيف، كلها عوامل تساهم بزيادة الضغط على سعر صرف الليرة أمام الدولار، إذ يرى الخوري “أن خلال الخريف في حال لم يظهر لدينا إطار لحلول سياسة خصوصاً لناحية الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية ومن ثم تشكيل الحكومة، فالاتجاه التصاعدي لسعر صرف الدولار سيزداد أكثر لا سيما وأن لبنان سيستمر بالتأثر بأزمة الطاقة العالمية الى جانب التوترات الجديدة الحاصلة بين روسيا وأوروبا بخصوص مسألة الغاز، ما قد يؤدي الى انفجار جديد في أسعار الطاقة، تلعب في غير مصلحة الاقتصاد والمنتج والمستهلك اللبناني”.

ناديا الحلاق

صحافية في صحف لبنانية عدة في أقسام السياسة الدولية والاقتصاد. كاتبة في مجلات عربية عدة ومواقع الكترونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى