درب عكّار: نموذجٌ ناجح للحفاظ على الغابات من الحرائق
في مثل هذه الأيّام قبل سنتين، وتحديداً في 23 آب / أغسطس من العام 2020، وُلد فريق “درب عكّار لإخماد حرائق والغابات” من مجموعة من الشبّان والنّاشطين الذين اندفعوا في لحظة معينة، وقد أخذتهم الحمية، لحماية أحراج وغابات منطقتهم من الحرائق، ليصبحوا بعد سنتين من ولادتهم فريقاً رائداً يٌشار إليه بالبنان، يستشهد به وزراء البيئة والزّراعة المتعاقبون، ويتحوّلون إلى نموذج يقتدى في مختلف المناطق اللبنانية.
في ذكرى ولادتهم الثانية لم يحتفل أعضاءه الذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين بإقامة حفل وقطع قالب حلوى وإلقاء خطابات وتوزيع دروع والتقاط صور تذكارية، بل كانوا في الميدان يخمدون حرائق إندلعت في أماكن عديدة في عكّار، وليشاركوا في إخماد حرائق أخرى إندلعت في مناطق خارج عكّار، بعدما تمّت الإستعانة بهم لهذه الغاية نظراً لخبرتهم التي اكتسبوها في هذا المجال، وصيتهم الذي سبقهم.
بالمناسبة، إكتفى فريق “درب عكّار” بإصدار بيان نشروه على صفحتهم على منصّات وسائل التواصل الإجتماعي، تحت عنوان: “من هنا بدأ كلّ شيىء”، إستعادوا فيه ذكرى نشأتهم التي كانت عفوية وردّة فعل على حريق شبّ في بلدة مشمش العكّارية، مسقط رأس أغلبهم، فقاموا بإخماده بما تيسر لهم من معدّات.
فقد أشاروا في بيانهم إلى أنّه قبل سنتين “إندلع حريق ضخم في وادي حقل الخربة في بلدة مشمش، على ارتفاع حوالي 900م عن سطح البحر، سرعان ما تمدّد في المنحدرات الوعرة صعوداً حتى وصل إلى ارتفاع 1800 تقريباً بسرعة قياسية لم تتخط الـ4 ساعات. ما إن سمعنا بخبر الحريق حتى حشرنا أنفسنا في سيارة واحدة، وكنّا 5 شباب من مرشدي درب عكّار مع معدات يدوية بسيطة نستخدمها في تأهيل الدروب وتنظيفها، ومع اقترابنا كان يتبين لنا حجم الدّخان الكثيف المتصاعد من أجمل غابات الأرز واللزّاب في عكّار ولبنان. الأمر بالنسبة لنا كان مؤلماً لإرتباط هذه الغابة ودروبنا ببدايتنا في مجال المشي في الطبيعة ودروبها، ونكاد نحفظ كُلّ شجرة على الدرب، ولها لدينا عشرات الصّور”.
وأضافوا أنّهم حينها “خلال ساعات من العمل إستطعنا حماية عشرات أشجار اللزّاب والدفران والأرز، وأنشأنا خطّ عزل من التراب لعشرات الأمتار، وشحّلنا ما يمكن تشحيله من الأغصان القريبة من الأرض حتى لا تمسكها النيران. كان الأمر أشبه بمحاولة يائسة، ولكنّه أتى بنتيجة وإن كان بسيطة. لكنّ المعركة الحقيقية مع النّار كانت حيث ضربت قلب واحدة من أروع أشجار اللزّاب في كلّ لبنان، وهي مُعلقة فوق جرف صخري لا تقوى على المقاومة، ولم تنفع معها حينها قوارير مياه الشرب في إخمادها، حتى بدأت بالذوبان أمام أعيننا وتساقطت أسفل الوادي، في مشهد إنحفر في قلوبنا وعقولنا”.
هذه الحادثة دفعت الشبّان على معاهدة أنفسهم “بأنّ هذا المشهد لن يتكرر، ومع هذا العهد تشكلت نواة الفريق. وخلال بضعة أشهر لاحقة إستطعنا وبتبرعات متواضعة من أشخاص أن نشتري ونجهز محليّاً أول آلية مخصصة لحرائق الغابات بمستوى فعالية مذهل حملت إسم “لزّاب”، تلتها في السنة اللاحقة آلية أخرى حملت إسم “شوح”، تطور معها الفريق في المهارة والكفاءة والعتاد والتدريب، ليصبح من أفضل الفرق تجهيزاً وتدريباً لحرائق الغابات في كلّ لبنان. وأنّه خلال هذه الفترة إستجاب الفريق منذ تأسيسه لحوالي 60 مهمّة، كان معظمها في غابات كثيفة وأماكن وعرة، واستطاعت جهوده تأمين حماية آلاف الهكتارات من الغابات والأراضي الزّراعية، بما فيها من أرزاق وحياة بريّة ونظم إيكولوجية”.
وبما يتعلق بالتمويل، فقد أشار الفريق أنّه “عمل بمبلغ لا يزيد عن 50 ألف دولار لمدة سنتين، وهذا ثالث موسم حرائق يمرّ عليه. ويشمل هذا التمويل ثمن الآليات وتكاليف تجهيزها ونفقات التشغيل والصيانة طيلة هذه الفترة، والفضل الكبير في تأمين هذا المبلغ لعشرات الأفراد الذين تبرعوا في سبيل هذا الهدف، ونظنّ أنّهم سعيدون لأنّ رهانهم وأموالهم وُضعت في مكانها المناسب”.
ومع ذلك، يعترف فريق درب عكّار أنّ “التحديات كبيرة، والتبرعات لهذا الموسم كانت محدودة جداً، ولا تكفي لتجاوز حدود بلدتنا، لكنّنا لا نستطيع أن نقف مكتوفي الأيدي ونحن نشاهد أيّ منطقة أخرى تُعاني كما عانينا، وتدخلنا سواء في الضنّية أو بسكنتا هو عيّنة ممّا نحن قادرون على فعله وما سنفعله إن دعت الحاجة ونادانا الواجب”، وهو تدخّل نال الفريق عليه تنويه وإشادة وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين.
وختم الفريق قوله في سنته الثانية إنّه “سيستمر وسيبقى ويتقدم، وسنة بعد سنة سيُثبت نفسه كنموذج يستحق التعميم في كلّ لبنان”.
عبد الكافي الصمد