منوعات

بشرى غير سارة: الاحتياط تبخر والذهب يفاقم الأزمة

إزاء النداءات التي أطلقها مصرف لبنان إيذاناً باستنزاف احتياطاته بالعملة الأجنبية، تعيش البلاد حالة من التخبط مع عجز أركان الدولة عن مواجهة الأزمة الخطيرة بحلول فورية لتجنب الانفجار الشعبي المحتم فيما لو رُفع الدعم عن المواد والسلع الأساسية.

ما يضع الدولة برمتها في سباقٍ محموم مع الوقت، خصوصاً وأنّ الحاكم رياض سلامة أعلن منذ أيام أنّ سياسة الدعم لن تستمر أكثر من شهرين.

المجلس النيابي قذف كرة النار في جلسة اللجان المشتركة إلى ملعب حكومة تصريف الأعمال، التي لا تستطيع الاجتماع ولا اتخاذ القرارات إلا في إطار المفهوم الضيق لتصريف الأعمال؛ فيما مصرف لبنان المسؤول الأول عن الأزمة القائمة، برأي أكثر من وزير في الحكومة، يجد نفسه وحيداً في مواجهة أزمة كبيرة وخيارات ضيقة تتراوح بين رفع الدعم وترشيده وصولاً إلى الحديث عن استخدام احتياط الذهب أو “تسييله” للحصول على أموال من الخارج.

فما هي الخيارات المطروحة؟ وهل تكون على حساب ودائع اللبنانيين في المصارف؟ وما هي مخاطر رفع الدعم على الطبقات الفقيرة وذوي الدخل المحدود في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار؟ وهل تعتمد البطاقة التمويلية والتموينية؟ وكيف يمكن التمييز بين الطبقات أو الفئات الاجتماعية المحتاجة؟ وماذا عن موظفي الدولة الذين تدهورت رواتبهم مع إنخفاض قيمة العملة الوطنية؟ وهل سيتم رفع الرواتب والأجور؟

مصادر حكومية: لن نرفع الدعم

مصادر حكومية أكدت لـ”أحوال” أنّ “رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب يعارض بشدة رفع الدعم لاعتبار أن هذا الأمر سيرتب أعباءً كبيرة على كاهل المواطنين”، ويدعم دياب خيار ترشيد الدعم بشكلٍ مدروس ويحافظ على ما تبقى من إحتياطات نقدية في مصرف لبنان وشرط ألا يمس الطبقات الفقيرة.

وبحسب معلومات “أحوال”، فإنّ أكثر من سفير أوروبي طالب دياب بتفعيل عمل الحكومة لتلبية حاجات المواطنين نظراً لتأخر المعنيين بتأليف الحكومة، وآخرهم كان وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، جيمس كلفرلي الذي زار السراي الحكومي اليوم برفقة السفير البريطاني في لبنان كريس رامبلنغ؛ لكن دياب أكد للسفراء أنّ الحكومة الحالية لم تتوانَ عن متابعة الشؤون الحياتية للمواطنين إدراكاً منها بحاجاتهم الماسة في الظروف الحالية الصعبة، لكن هذا لا يلغي مسؤولية القيادات والأحزاب السياسية في توحيد جهودها وترك مصالحها السياسية الخاصة والإتفاق على حكومة لمصلحة البلد”.

وبرأي دياب، فإنّ “العودة إلى تفعيل حكومة تصريف الأعمال بمفهومه الواسع متعذر لوجود قانون يقيّد عمل الحكومة، رغم أنّ ذلك لا يساهم  في استرخاء المسؤولين عن تحمل مسؤوليتهم في تأليف حكومة جديدة وإيجاد الحلول الجذرية للأزمات والمشكلات المختلفة”.

وأكدت المصادر أنه لا توجه لدى الحكومة ولا رئيسها لرفع الدعم.  وعن الحلول أجابت المصادر: “فليتحمل سلامة المسؤولية”. وسأل “أحوال” وزير الاقتصاد راول نعمة عن توجه الحكومة، فأكد بأنّ القرار ليس بيد الحكومة ولا وزارة الاقتصاد بل عند حاكم مصرف لبنان، محذراً من ارتفاع كبير في معظم الأسعار فيما لو تم رفع الدعم بالشكل المطروح.

وعلم “أحوال” أنّ “الحكومة تعكف عن دراسة وإعداد مشروع لتقدمه إلى المجلس النيابي في مهلة أقصاها مطلع الأسبوع المقبل، والتوجه هو التنسيق بين الوزارات ومصرف لبنان لترشيد الدعم من خلال الاختيار بين سلل السلع المدعومة وفقاً للأولويلات والحاجة الملحة بالنسبة للغالبية العظمى من اللبنانيين.

وأرسل دياب كتاباً إلى الوزارات المعنية لتزويده بآرائها ومعلوماتها حول الدعم والخيارات المتاحة، على أن تقدم كل وزارة تقريرها لمناقشته الإثنين المقبل، تمهيداً لتوحيد اللوائح بلائحة واحدة وإرسالها إلى المجلس النيابي”. وبحسب المعلومات أيضاً يجري الإنطلاق من مشروع الحكومة السابق وقيادة الجيش خلال مرحلة التعبئة العام (العائلات الأكثر فقراً) وتوسيع المروحة لتطال فئات أخرى.

بطيش: الحل بالبطاقة التمويلية

وأشار وزير الاقتصاد السابق منصور بطيش لـ”أحوال” إلى أنّ  “هناك نوعين من الدعم: المعمّم، واعتُمِد في العقود الثلاثة الماضية، وخصوصاً منذ العام 1994 في دعم الكهرباء. وهناك دعم موجه، أي تحديد الفئات التي يستهدفها الدعم وتحديد السلع المدعومة التي يجب أن توجه إلى الفئات المحدودة الدخل من جهة لتأمين الحد الأدنى من الحياة الكريمة لها، ويكون موجهاً أيضاً على قطاعات الإنتاج لتحفيز الإنتاج الوطني وتحفيز الصادرات وتعزيز قدرتها التنافسية بدل تشجيع الإستهلاك والإستيراد”.

وتساءل بطيش: أين ذهبت القروض المدعومة ومن استفاد منها؟ وكيف ارتفعت نسبة الاستيراد في ظل تسليف 5 مليارات دولار لتحفيز القطاع الإنتاجي؟ وقال: “اليوم ندفع 8 مليارات دولار لتمويل سياسة الدعم سنوياً، تتوزع على الكهرباء حوالي ملياري دولار، والمحروقات ملياري دولار، و3 مليار دولار للمواد الغذائية، و150 مليون دولار للخبز، ومليار و300 مليون دولار لدعم الأدوية”. وانتقد بطيش السلة الغذائية الأخيرة التي أقرّتها الحكومة وتضم 330 سلعة، والتي استفاد منها التجار وشركات الاستيراد فيما يجب أن يقتصر الدعم على 40 سلعة.

أما الحل برأي بطيش، فهو برفع الدعم عن أغلب السلع تدريجياً باستثناء بعض السلع الضرورية، كالأدوية واعتماد البطاقة التمويلية. وشرح بطيش قائلاً: “هناك 600 ألف عائلة من أصل مليون ألف عائلة لبنانية تحت خط الفقر نتيجة تدني المستوى المعيشة، فيُصار إلى إعطاء كل عائلة مبلغ حوالي مليون ونصف أو مليوني ليرة مباشرة وفقاً لإحصاءات وزارة الدفاع والجيش اللبناني حول العائلات الفقيرة؛ وهذا يمنع الإحتكار والتهريب والتخزين، مع إعادة النظر بتعرفة الكهرباء وفقاً للإستهلاك”.

ناصر الدين: الدعم يكون للإنتاج لا الإستيراد

في المقابل، رأى الخبير الاقتصادي زياد ناصر الدين في حديث لـ”أحوال” أنّ “البطاقة التموينية حلّ غير عملي، إذ كانت تعطي نتيجة قبل الحجز على الودائع في المصارف، فمن الصعوبة التمييز بين الطبقات الفقيرة والغنية. واستدرك، هل أصحاب الودائع المحتجزة في المصارف هم فقراء أم أغنياء؟ سيما وأنه لم يعد هناك طبقة وسطى في لبنان، والشعب اللبناني ينقسم بين طبقتين فقيرة وميسورة”.

ولفت ناصر الدين إلى أنّ ترشيد الدعم يكون من خلال دعم الإنتاج وأي ترشيد خارج ذلك لن يؤدي إلى نتيجة، أي يجب أن يذهب الدعم إلى الإنتاج الصناعي والزراعي وألا يذهب الدعم إلى التجار.

وتحدث ناصر الدين عن دراسة كاملة تثبت بأن دعم قطاع الصناعة بـ 2 مليار دولار من خلال شراء المواد الأولية الصناعية، يسمح بخلق دورة مالية بقيمة 9 مليار دولار وبالتالي تغطية 70 % من إنتاجنا الداخلي من الصناعة.

وأضاف: “نحن أمام خيارين إما استخدام هذا الجزء من الإحتياطي في مصرف لبنان، أي حوالي 2 مليار دولار لدعم المواد الأولية الصناعية لخلق فرص عمل وخلق اقتصاد إنتاجي، وإما دعم اقتصاد الريع والاحتكارات والتحاصص عبر استيراد الصناعات من الخارج”.

ماذا عن الاحتياط النقدي؟

وبحسب مصادر مالية، فإنّ الاحتياط الإلزامي في مصرف لبنان عبارة عن أموال كبار المودعين وليس صغار المودعين، وبالتالي رفض أغلبية النواب والحاكمية المس بهذا الإحتياط يهدف إلى حماية المودعين الكبار الذي يشكلون جزءاً واسعاً من الطبقة السياسية والمالية في لبنان؛ وليس لحماية صغار المودعين كما يُشاع.

إلا أنّ عضو كتلة المستقبل النيابية النائب نزيه نجم نفى لموقعنا هذا الأمر متسائلاً: “هل مسموح المّس بأصحاب الودائع الكبيرة من اللبنانيين والعرب والأجانب الذين أودعوا أموالهم في المصارف اللبنانية؟ والأجدى بالدولة اللبنانية الحفاظ على هذه الودائع وحمايتها بمعزل عن جنسيات المودعين وحجم ودائعهم”.

وكشف بطيش في هذا السياق أنّ “احتياط مصرف لبنان تبخّر منذ عشر سنوات وأنّ الإحتياطي المتبقي في المركزي هو ودائع الناس بالعملات الأجنبية وليس بالليرة اللبنانية”.

وأضاف، “حجم الإيداعات المصرفية وفقاً لأرقام 30 أيلول 2020 بلغ 116 مليار دولار، وأودعت المصارف منها في مصرف لبنان 76 مليار دولار، وأما قول الحاكم بأن لديه 17 مليار ونصف يحتاج إلى تدقيق. فوفق أرقام مصرف لبنان نفسها أقرض الدولة 5 مليارات دولار فقط بالعملة الأجنبية، فأين ذهب ملبغ 54 مليار دولار؟ هذا المبلغ يشكل أموال الناس وهنا تكمن الفجوة المالية في حسابات مصرف لبنان، هذا عدا عن الدين الحكومي الذي يبلغ 35 مليار دولار، وهذه الفجوة ناتجة عن سوء إدارة المال العام وسياسة الفوائد العالية والهندسات المالية وسياسة الإستيراد”.

وشدد بطيش على أنه “لا يمكن التلطي خلف مادة قانونية هدفها حماية ودائع الناس لإخفاء حقائق تبخر الأموال، أي السرية المصرفية والمادة 151 من قانون النقد والتسليف؛ لذلك فإنّ التدقيق الجنائي باب الإصلاح الرئيسي الذي يكشف كل الجرائم المالية التي ارتكبت”. ولفت إلى أن “الإحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان وفقاً للقانون يكون بالعملات اللبنانية لا بالأجنبية ولا يُوضع عليه فوائد”.

بدوره، أوضح الخبير الاقتصادي زياد ناصر الدين أن “كل الاحتياطات التي كانت موجودة في مصرف لبنان في السنوات القليلة الماضية هي من أموال المودعين وليست أموال المصارف”، مشيراً إلى أن “المصارف كانت شريكة للمركزي في تبديد الأموال واحتياطات المصرف، عوضاً عن أن المصارف كانت تعمل تحت رقابة المصرف المركزي عبر لجنة الرقابة على المصارف”.

ولفت إلى أنّ “الرقم المتداول للإحتياط في مصرف لبنان هو حوالي 18 مليار دولار، أما الإحتياط الإلزامي فهو 1.8 مليار دولار مخصص لحماية أموال المودعين. وشدّد على أن “تخفيض الإحتياطي من 15 في المئة إلى 10 في المئة يوفّر على المصرف المركزي 4 مليار دولار لاستمرار الدعم لأشهر عدة لشراء الوقت”.

ولفت إلى أن “حجم أموال صغار المودعين يقدر بملياري ونصف المليار دولار في كل المصارف، أما الودائع الأخرى فتعود إلى كبار المودعين الذين يشكلون 2.5 في المئة ويملكون 98 في المئة من الودائع؛ وبالتالي الطبقة السياسية تحمي الإحتياط الإلزامي وتحمي نفسها”.

هل يمكن استخدام الذهب؟

طُرح استخدام الذهب  في جلسة اللجان المشتركة الأخيرة، من قبيل إستفسار النواب من نائب حاكم مصرف لبنان سليم شاهين عن قيمة الذهب ومكانه. لكن معلومات لـ “أحوال” أشارت إلى طرح بعض الجهات السياسية والمصرفية الإستعانة بجزء من احتياط الذهب كمرحلة مؤقتة للحصول على دولارات طازجة.

وأوضح بطيش في هذا المضمار، أنه لا يمكن استخدام احتياط الذهب إلا بقانون في المجلس النيابي، واستبعد أن يلجأ المجلس إلى هذا الخيار لأن ذلك يفاقم الأزمة ولا يشكل الحل.  ولفت إلى أن قسماً من إحتياط الذهب موجود في لبنان والقسم الآخر في الولايات المتحدة الأميركية.

في المقابل، أشار ناصر الدين إلى أنّ “حجم احتياط الذهب يبلغ حوالي 9 مليون و200 ألف سبيكة بما يوازي من 15 إلى 18 مليار دولار وموجود خارج لبنان في الولايات المتحدة الأميركية”.

وأكد أن “استخدام هذا الاحتياط يحتاج إلى تعديل القانون في مجلس النواب وبإجماع المجلس، أما طريقة الإستخدام فتتم عادة عن طريق تسييل الذهب أو رهنه مقابل الحصول على أموال نقدية”.

محمد حمية

 

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى