منوعات

حرب “إسرائيل” النفسية ضد حزب الله: خفّفوا وطأة ردكم !!

تعدّ “الحرب النفسية” جزءًا مهمًا من الحروب. هي تحتاج إلى إتقان في الإدارة، فـ”كلمة واحدة” يمكن أن تُكسب أي طرف حرباً.

ما بين لبنان والكيان الإسرائيلي حرب مفتوحة من هذا النوع. هي مرّت بمراحل مختلفة. بداية، تحدّث كثيرون عن “القوّة المبنية على الضعف”. في المقابل، ترويج اسرائيلي -ساهم فيه بعض العرب والغرب- للجيش الأسطورة الذي لا يقهر.

مع بداية التسعينات، أخذت الحرب النفسية أشكالًا مختلفة، تحديداً مع تطور قدرات المقاومة في لبنان، وامتلاكها أدواتًا إعلامية، وقدرة تثقيفية للجمهور.

وعلى مدى ثلاثة عقود نعيش “الحرب النفسية”، فمن جهة العدو هو يستند على إرث الماضي الذي كرّسه دعاة “القوّة الآتية من الضعف” إضافة إلى دعايته وتفوقه في حروب مع دول عربية. فيما من الجهة اللّبنانية، طوّرت المقاومة الحرب النفسية لتبني قواعدها على أساس صدق القول الذي يتبعه فعل، وإطلاق الرسائل التهديدية المبنية على قوّة هي في متناول اليد.

هذا تاريخيًا، مؤخرًا، تشهد ساحة الحرب النفسية تصعيدًا. الإسرائيليون يهدّدون لبنان بـ”دفع الثمن” حال ردت المقاومة على استشهاد أحد مقاتليها الذي قضى بغارة إسرائيلية في سوريا قبل ثلاثة أشهر. يُرفقون التهديدات بحملات دعائية تتولّى إدارتها وحدات مختصة في جيش العدو، إحداها هي المنظومة “المكشوفة” التي يديرها المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي.

وإذا ما أحصينا حجم التصريحات الإسرائيلية التي تحمل تهديدًا تجاه المقاومة منذ ثلاثة أشهر وحتى يومنا هذا، نجدها قد فاقت الثمانين تهديدًا، أي بمعدل تهديد مع صبيحة كل نهار، في مقابل ثلاثة “مواقف” لحزب الله طيلة تلك المدّة.

يطلق هذه التهديدات قادة العدو أجمعين، عساكر وساسة، منهم: بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء، ووزير حربه بني غانيتس، ورئيس أركان الجيش أفيف كوخافي وقائد المنطقة الشمالية أمير برعام، وآخرون.

ولنبتعد عن نقل ما يقولون حرفيًا، يتضح أنّ مجمل التهديدات مرتبطة برد حزب الله على استشهاد أحد مقاتليه، خاصة بعد تصريحات السيد حسن نصرالله التي أكد فيه نية قتل جندي اسرائيلي مقابل استشهاد علي محسن.

خلال الأيام الأخيرة، ومع اطلاق مناورات شاملة تحاكي حربة ضد المقاومة في لبنان، صعد الاسرائيليون من سقف التهديد والوعيد ووسعوا مروحته لتطال كل لبنان، فما الذي يُفهم من حيث التوقيت؟

من الواضح أن الاسرائيليين المستنفرين منذ ثلاثة أشهر يريدون إيصال رسالة للمقاومة مفادها: نفذوا ردا غير تناسبي، ولا توقعوا خسائر في صفوف جيشنا، واحفظوا بذلك ماء الوجه.

ما يفهم من هذه الرسالة أن الإسرائيليين ومع رفع سقف التهديد ليصل إلى حد القول “إنّ كل لبنان سيدفع الثمن”، اكتشفوا أنّهم ارتكبوا ذات الحماقة التي ارتكبها إيهود أولمرت، رئيس وزراء العدو ابان عدوان تموز 2006، عندما رفع سقف أهداف الحرب فحصد بعد ثلاثة وثلاين يوما نتائج معاكسة تمامًا. وهذا ما أظهره تقرير لجنة فينوغراد.

يفهم أيضًا، أن الطاقم الحاكم في الكيان، وفي ظل تناقضاته والصراعات فيما بين أقطابه، قد يكون محرجًا أمام شعبه وجنوده عند تنفيذ حزب الله ردّه بالشكل الذي أعلنه السيد حسن نصرالله، فيلجأ إلى “خطوة”، بمثابة خطيئة، يمكن أن تأخذ الأمور إلى مواجهة عسكرية، قد لا يملك القدرة على التحكم بمساراتها، فالكيان العبري وعلى مدى 14 عامًا لم يصل بعد إلى حد الذهاب نحو حرب مضمونة النتائج وعناصر النصر فيها مكتملة. وبالتالي، يمكن أن نخلص إلى أنّ الحرب النفسية التي يخوضها الإسرائيليون، وبناء على السقف الذي رفعوه، لا يبدو أنّها مستندة إلى قدرات تسمح لهم بتنفيذ ما يطلقونه من تهديدات، وأنّها سترتد عليهم في المستقبل القريب سواء وقعت المواجهة أم لا.

من هنا، يمكن الدخول إلى الجهة اللّبنانية للقول: إن وضوح الصورة لدى المقاومة ومعرفتها بخلفيات التهديدات الإسرائيلية وفهمها لطبيعة العدو وتركيبة كيانه ومجتمعه، يجعلها تستوعب حرب العدو النفسية وتفكيك شيفراتها وتهيئة جمهورها على هذا الأساس، وتفريغها من مضمونها. ناهيك عن تمكن المقاومة من تحصيل القدرة -نتيجة عوامل عدة- على  التحكم بما يجري وقد يجري عند الحدود وبشكل دقيق ومتقن. لذا هي بدورها تدير حربها النفسية الصادقة والمبنية على المعرفة بالعدو وبقدراته وقدراتها.

يمكن الاستخلاص بأنّ العدو يستخدم “التهديد الكثيف” لتحقيق أهدافه، في مقابل اكتفاء المقاومة بإعلان موقف واحد متين وصلب يفرغ التهديدات الإسرائيلية من مضمونها. ويمكن القول: إن اسرائيل تشنّ حربًا نفسية ضد الهواء، فلا سلاح الجو، الذي يغازله أفخاي أدرعي قادر على حسم معركة، ولا عناصر النصر في أي حرب أو مواجهة مكتملة، ولا قدرة على التحكم بمسار أي حرب أو معركة مضمون. وعليه، فإنّ الإجابة على رسائل تهديد العدو ستكون لحظة تنفيذ “وعد المقاومة”، وبعدها لكل ردٍّ، ردٌّ.

 

خليل نصر الله

خليل نصر الله

كاتب وإعلامي لبناني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى