خطة الحكومة للنازحين ستصطدم بقانون “قيصر” والعقوبات الأميركية
طفا ملف النازحين السوريين إلى سطح المشهد مجدداً من بوابة التوجه الخارجي لتوطين النازحين، أو دمجهم في مجتمعات الدول المضيفة ومن بينها لبنان الذي يستضيف على أراضيه حوالي مليون ونصف نازح منذ حوالي العشر سنوات، وفق ما كشفه وزير المهجرين عصام شرف الدين منذ أيام.
لم تُسجل أزمة النزوح أي خطوة عملية على طريق إعادتهم الى بلدهم، وسط انسداد الأفق الدولي لعودتهم وإيصاد كافة الأبواب الداخلية في ظل غياب أي إرادة أو مبادرة داخلية لإعادة النازحين عبر التنسيق مع الدولة السورية أو تطبيق الاجراءات القانونية اللبنانية بحق النازحين في لبنان، رغم تلويح رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بذلك لترحيلهم. ما يعني وفق استنتاج جهات متابعة للملف والمعلومات التي ينقلها دبلوماسيون لبنانيون عن اجتماعات أوروبية لـ”أحوال”، بأن الحل الوحيد المتاح أمام لبنان لاستيعاب ضغط النازحين هو “الدمج القسري” في المجتمعات والتهديد المبطن للبنان بأن أي قرار منفرد لإعادتهم عبر التواصل مع سوريا أو بالإجراءات القانونية بحقهم، سيُقابل بعقوبات قاسية.
ويُعدد سفير لبنان الأسبق في الأمم المتحدة جبران صوفان المبادئ أو الخيارات الأوروبية المعتمدة بشأن النازحين. ويقول لـ”أحوال”: بناء على اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين لعام ١٩٥١والتي لم ينضم إليها لبنان، تسعى المفوضية السامية للاجئين الى توفير الحلول المستدامة للاجئين والتي تسمح بحسب المفوضية بإعادة بناء حياتهم للعيش بكرامة وسلام وهـي ثلاثة:
١- العودة الطوعية والآمنة الى بلد المنشأ شرط توفر الاوضاع الامنة فيه.
٢- إعادة توطينهم في بلد ثالث.
٣- الاندماج المحلي، معللة ذلك الحل بإمكانية إسهام اللاجئين في النمو الاقتصادي لبلد اللجوء.
ويبدي اعتقاده بأنه “نظراً لتعقيدات مسائل اللجوء الامنية والسياسية والاقتصادية وغيرها على خلفية الازمات المتزايدة في العالم وتداعياتها، يبرز الاندماج المحلي الى الواجهة بصورة عامة لعدة أسباب، منها صعوبة الحلول الجذرية والعادلة للاجئين والتي غالباً ما تستغرق عقوداً وفي أحسن الاحوال سنوات طويلة، ولاستسهال اللاعبين الكبار الاندماج المحلي وبالتالي تلافي صعوبات الحل الجذري والأساسي القائم على العودة الى بلد المنشأ”.
ويُحذر صوفان من أن الاندماج المحلي في لبنان هـو طرح كارثي، وليس حلاً. أما مبرراته المبدئية المعتمدة لدى مفوضية اللاجئين فهي واهية، حتى في ظروف طبيعية، لعدة اعتبارات منها عدم حاجة لبنان للاجئين لتحفيز ودعم اقتصاده ونموه، ولان ذلك يعني افقار شعبه، بغض النظر عن معايير الطائفية والمذهـبية والتوازنات الداخلية. ناهيك ان مقدمة الدستور اللبناني تحظر التوطين. فكيف إذا كان البلد في الوقت الحالي يعيش فترة الانهـيار الكامل وحوالي ٨٥ من مواطنيه يرزحون تحت خط الفقر، فيما هو يستقبل حوالي مليوني لاجىء ونازح على أراضيه، علماً أن الاستعانة بالعمالة الاجنبية تبعاً للحاجات شيء والاندماج المحلي شيء آخر”.
ويشير السفير الى أن خطورة المشكل في أن الحل السياسي لمشكلة النازحين السوريين متعثر أصلاً واضحى اليوم اكثر تعثراً بفعل الحرب الروسية – الاوكرانية التي استحوذت على اهتمام العالم برمته. وليس ما يلوح في الافق كما يبدو من خلال مؤتمر بروكسيل السادس والاخير، الذي استبعد روسيا، بداية حل، سوى الاستمرار في تقديم المساعدات، فيصحّ القول على “حجة الوردة السورية بتشرب العلّيقة اللبنانية”.
ويضيف: “خلال عملي كسفير للبنان لدى الامم المتحدة في جنيف، وبالرغم من ان المفوضية العليا للاجئين لا تُعنى من حيث وكالتها باللاجئين الفلسطينيين، أصرّيت بإلحاح خلال مشاركتي في الاجتماع السنوي للجنة التنفيذية لمفوضية الامم المتحدة للاجئين عام ٢٠٠٥ على تضمين مشروع قرار حول حماية اللاجئين فقرة مفادها: “الاندماج المحلي local integration هو قرار سيادي وخيار عائد للدول”، للحؤول من حيث المبدأ دون عمليات الاندماج بالترغيب أو بالترهيب، وقد صدّقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على أعمال اللجنة التنفيذية ومنها الاستنتاج المذكور في دورتها العادية عام ٢٠٠٥”.
ويمكن الإضاءة في هذا الصدد على جملة مؤشرات ومعطيات ستنعكس سلباً على حل أزمة النزوح:
*إدراج قرار مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا ملف النازحين في الفقرة 14 من القرار الذي يشمل 16 فقرة أي في آخر سلم الأولويات، وربطه حل أزمة النازحين بالحل السياسي في سوريا.
*إعلان ممثل المفوضية العليا للسياسة الخارجية الاوروبية جوزيف بوريل أمام البرلمان الاوربي في العام 2021 بأن مسار السياسي للحل معطل
*إحاطة مبعوث الامم المتحدة الى سوريا مجلس الامن بتاريخ ٢٦ نيسان ٢٠٢٢ أي قبل انعقاد بروكسل السادس، تؤكد ازدياد التأزم على مسار الحل السياسي السوري.
*لم يتضمن مؤتمر بروكسل 6 في الفقرة المخصصة للبنان أي اشارة لخطة الحكومة اللبنانية لإعادة النازحين.
استناداً الى هذه المعطيات يبدو أن الخيار المفضل والمتاح لدى الأوروبيين والأمم المتحدة هو الاندماج المحلي في مجتمعات الدول المضيفة.
لكن وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتبار الاندماج أمر سيادي، فإن لبنان غير ملزم بالاندماج المحلي من الناحية القانونية لكن من الناحية التطبيقية فأمر آخر.
وإن نجح لبنان بتجاوز العقد الداخلية وأهمها عقدة التواصل مع سوريا، لكن هل يستطيع تجنب سلاح قانون العقوبات الأميركي على سوريا (قيصر)؟.
تتخوف جهات ديبلوماسية من أن أي قرار سيتخذه لبنان سيصطدم بقانون “قيصر” الذي قد يتوسع ليشمل لبنان، فضلا حرمانه من خط الغاز العربي وتمويل خطة التعافي الاقتصادي والمالي عبر صندوق النقد الدولي ومن مساعدات البنك الدولي فضلا عن ترسيم الحدود البحرية واستفادة لبنان من ثروته الغازية الذي لا يمكن أن يُنجز من دون موافقة وتسهيل أميركيين.
وبرأي السفير صوفان فإنه “لا مناص أمام لبنان من المثابرة في خطته لعودة النازحين السوريين الى سوريا وإن صادفته صعوبات على الصعيد الدولي ولا سيما في ما خصّ الدول الاوروبية الصديقة، مع الابقاء على الحوار البناء مع الامم المتحدة وتوخي اقناع تلك الدول بسلبيات الانتظار الطويل للحل السياسي الدولي للمشكلة السورية، بغياب الاجندة الزمنية للحل، وتناقض المصالح، وانصراف الاهتمام الى المشكلة الروسية الاوكرانية”. ويتطلّب ذلك وفق صوفان “التواصل بحذر تلافياً للوقوع في مشاكل اخرى او مستجدة قد يعجز لبنان وحده على تحمل تبعاتها، فنكون كالمستجير من الرمضاء بالنار”.
محمد حمية