منوعات

إضراب موظفي الإدارة العامة: هل يفتح الباب لإعادة هيكلة القطاع؟

شلّ الإضراب المفتوح للقطاع العام كل المؤسسات الحكومية في لبنان، وبالتالي تسببت بشلل كل قطاعات الحياة، حيث أغلقت الدوائر الرسمية أبوابها إلى حين تحقيق مطالب موظفيها وملخصها: تصحيح الأجور وبدلات النقل والتقديمات الصحية والتعليمية. وهنا السؤال المركزي عن جدوى تضخم القطاع العام؟ وهل القطاع العام ضرورة كحاضنة اجتماعية؟ وماذا عن عنوان وفكرة ترشيق الإدارة؟.
إضراب “موظفي الدولة”، على ما يبدو، سيطول ويتمدّد وسط غياب مبادرات المعالجة، ما يعني أن الشلل سيضرب ما تبقى من أجهزة ومؤسسات الدولة، فهل سيكون عامل تسريع في الانهيار أم فرصة لإعادة النظر بفكرة الدولة ودورها وانعكاس ذلك على الاقتصاد؟.

سعد: قطاعنا العام معرقل للإنتاج
المحلل الاقتصادي د. طالب سعد يرى أن “غالبية مؤسسات القطاع العام معرقلة للانتاج وتطور المجتمع أكثر منها ميّسرة، وهي تثبت أن دورها في المجتمع لا يخدم إلا وجودها ومع الأزمة ها هي تفقد ما تبقى لها من دور كانت تمارسه ولو ضمن الفساد المستشري فيها، لقيامها على نظام للمحسوبيات والرشاوى والتنفيعات التي كرست مفهوم الزبائنية السياسية بدل المواطنة والانتماء”.
ويضيف “إنه إضراب لن يؤثر على الدورة الاقتصادية بل يُيسره، حيث يبتعد معرقلوا الانتاج عن الساحة شيئاً ما، فإقفال المؤسسات الحكومية بوجه المواطنين لن يؤثر عليهم ولا على البلد، إلا فيما يتعلق بالمؤسسات الصحية من ضمان اجتماعي مذل ومؤسسات تربوية مهترئة، لافتاً إلى أن تقليص حجم القطاع إلى أقصى الحدود واقتصار دور الدولة على الإدارة والتوجيه والتحفيز في المجتمح أمر في غاية الأهمية”.
وكان القطاع العام شهد تضخماً في أعداد الموظفين حيث تجاوز الـ 320 ألفاً (بين موظف ومتعاقد وأجير ومتعامل، وغيرها)، واستهلكت رواتبهم وأجورهم أكثر من ثلث موازنة الدولة سنوياً، ما دفع المجتمع الدولي للطلب من الحكومة وقف التوظيفات وتصحيح الأجور لاسيما بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب في العام 2017 التي رفعت قيمة أجور الموظفين.
فمسألة إعادة هيكلة القطاع العام، وترشيد عدد الوظائف فيه، وصولاً إلى تقليص حصّة الرواتب والأجور من إجمالي الميزانيّة العامّة، كلها شروط ربطها صندوق النقد بمفاوضاته مع لبنان، وهنا يرى سعد أنه “آن الأوان لمكننة الدولة والانتقال إلى الدوائر الحكومية الإلكترونية”.
ويشدد على “ضرورة تنمية ثقافة المبادرة لدى الأفراد والمؤسسات فهي من ركائز الاقتصاد المعاصر، التي تدعم التنافسية الإيجابية وتخلق فرصاً واقتصاداً قوياً، فالأموال والسياسات والقوانين وحدها لا تكفي لخلق الفرص الهامة التي من شأنها النهوض بالمجتمعات”.
وتتجلى معظم المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها لبنان في تفشي الفساد في القطاع العام، فالاضراب اليوم لن يزيد من حالة الركود الحاصل في لبنان بل على العكس سيقلص النفقات الاضافية الناتجة عن رشاوى تُفرض على أصحاب المعاملات لتيسير أمورهم، ومن دونهم تكون الحياة أسهل وأقل توتراً وإذلالاً من قبل بعض المتسلطين والمستفيدين من مواقع إدارية لا تخدم إلا تلك المؤسسات كما يحد من آفة الرشاوى المتفشية في الادارات العامة، بحسب سعد.
ويلفت إلى أن “إضراب القطاع العام لن يؤثر على اقتصاد البلاد ولا على انتاجيته، باستثناء بعض المعاملات المطلوبة لتيسير أمور أساسية تتعلق في الخارج، هذا القطاع أصبح غير فاعلاً مع الوقت وتراكم ضعف الانتاجية والتوظيف السياسي العشوائي فبات مصدر رزق للمنتفعين مصدرها عرقلة أمور المواطنين بدل تسهيلها”.

السبع: الإضراب فرصة لتشخيص أساس المشكلة
من جهته يرى المحلل الاقتصادي نديم السبع أن “القطاع العام اللبناني يعاني مشكلات عديدة تجعله يتلاشى وينهار، وقد أتى اضراب موظفي هذا القطاع ليزيده تعقيداً ويؤثر سلباً على اقتصاد لبنان ويسرّع في عملية الانهيار كونه يعاني من البيروقراطية السائدة والبطالة المقنعة كما ويضم موظفين يفتقرون الى مؤشر الكفاءة”.
ولطالما كان يُنظر إلى القطاع العام في البلاد على أنه متضخم ويشوبه الترهل ويستشري فيه الفساد، إلا أنه وبحسب السبع يغرق الآن في مزيد من الفوضى بسبب الأزمة الاقتصادية التي دفعت موظفيه الى اتخاذ قرار الاضراب المفتوح، حيث أدى إلى توقف المعاملات التي ساهمت في عرقلة عمل مؤسسات القطاع الخاص وأخرت انجاز المعاملات الشخصية والاستثمارية. الاضراب من شأنه زعزعة الاسواق وتقليص ثقة المستثمرين وهروب المستثمرين لعدم وجود بيئة مناسبة لهم، بسبب ضبابية المشهد الذي يخيم على لبنان.
على ما يبدو أن قرار الاضراب العام لم يأت ليخدم موظفي المؤسسات الرسمية بل فتح الباب للتشخيص السليم لمشكلات الادارة العامة في لبنان، وضرورة التخلص من فائض العمالة في القطاع، وتفاقم أزمة العجز دون تحقيق زيادة في الإنتاجية، ما جعل عملية إعادة هيكلة القطاع العام من الملفات الضرورية لجهة تطوير المرافق العامة، وتخفيف الإنفاق. فبعد أن بقي شعار إعادة الهيكلة على رأس أولوليات الحكومات المتعاقبة هل تنجح الحكومة الجديدة في تحقيقه؟.

ناديا الحلاق

صحافية في صحف لبنانية عدة في أقسام السياسة الدولية والاقتصاد. كاتبة في مجلات عربية عدة ومواقع الكترونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى