مجتمع

“عبودية وإتجار بالبشر”: رنا تروي لـ”أحوال” تجربة استغلال ممرضين لبنانيين في بلجيكا

فضيحة جديدة تدور أحداثها بين لبنان وبلجيكا، الضحايا هذه المرة من ذوي “الروب الأبيض”، أبناء المهنة الانسانية يتعرضون لأبشع عمليات إحتيال واستغلال وممارسات غير نظاميّة وعقود مسيئة.

التمريض، تلك المهنة الإنسانية السامية والتي تلامس شرائح المجتمع كافة، هي مهنة السهر على صحة المرضى والعناية بهم في أقسى اللحظات والظروف، هؤلاء المناضلين وقد نذروا أنفسهم لتضميد الجراح وبلسمة الآلام، هم أنفسهم لا ينالون الجزء اليسير من حقهم في بلاد الأرز، فيضطرون مجبرين للمغامرات المجهولة التي قد تعرض بعضهم لمصائر “العبودية الحديثة” و “الاتجار بالثوب الأبيض”، وفي دول تعتبر متقدمة ضمن التصنيف العالمي كما يجري في بلجيكا وبعض دول اوروبا.

هجّرت الأزمة اللبنانية حوالي 2500 ممرضاً وممرضة منذ العام 2019 وحتى اليوم، وقد انتشر أبناء هذه المهنة في أصقاع الأرض كافة، لكن ما سترويه لنا “رنا”(اسم مستعار) مخيف وخطير، وهي تعرف ما حدث معها بأنه “إتجار بالممرضين والممرضات واتجار بالبشر في أبشع صوره”.

رنا، الممرضة الشابة، تركت لبنان منذ العام الماضي بحثاً عن حياة أفضل، وهربًا من الواقع المزري، فالضائقة المعيشية جعلتها عاجزة عن تأمين قوتها اليومي بعد أن تراجعت قيمة راتبها نحو 10 مرات ليصل بالكاد إلى 70 دولاراً شهرياً، وهي لم تكن تتخيل يوماً أنها ستكون فريسة سهلة لأحد مكاتب التوظيف في بيروت والتي تعمل على استقطاب الممرضين والممرضات اللبنانيين للعمل في بلجيكا.

بلجيكا، تعاني نقصاً حاداً بعدد العاملين في مجال التمريض ومقدمي خدمات العناية المنزلية بالمرضى والمسنين وتصفها السلطات بأنها “أزمة في البلاد منذ العام 2004 وربما تصل حاجة البلاد بنحو 20 ألفاً” والحل الوحيد لسدّ العجز هو استقدام عاملين في المجال من الخارج بعدما تعذر الحل بأيدٍ عاملة محلية.

رنا، وباتصالٍ هاتفي” روت لـ”أحوال” قصتها عندما “تواصلت مع إحدى شركات التوظيف بعد أن استوقني إعلان على صفحات التواصل الاجتماعي يطلب ممرضين وممرضات للعمل في مستشفيات بلجيكا أو فرنسا أو الولايات المتحدة، لم أتردد بالتقدم لوظيفة تخلّصني من “عيشة الذّل” في لبنان في ظل الانهيار المالي والاقتصادي، والارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار الذي أفقدني قيمة راتبي الشهري، فاخترت بلجيكا وجهة جديدة لمسيرتي المهنية”
وتضيف “بعد أن قدمت كل أوراقي فوجئت بشروط العمل المجحفة والمسيئة، وعلى سبيل المثال يُشترط بالمتقدمين للوظيفة وفي حال تم قبولهم دفع نسبة 40% من راتبهم عن أول 3 أشهر عمل، وتعهّد قاطع بعدم الزواج طوال فترة عقد العمل، وللمتزوجات عدم انجاب الأطفال مع دفع مبلغ مالي كبير مقابل إنجاز المعاملات”. وتتأسف بالقول “قبلت بعرض العمل وشروطه لأنني لم أجد البديل في لبنان، وتضيف “كأنه قد كتب على اللبناني الشقاء والاستعباد أينما وجد، أزمات لبنان دفعتنا الى الهجرة نحو بلجيكا طمعاً بالعمل والعيش الكريم، ولكن خابت آمالنا، اليوم اضع قضيتي وقضايا مئات من زملائي في عهدة نقابة الممرضين في لبنان كما القضاء اللبناني والبلجيكي لما نتعرض له من مضايقات وانتهاكات”.

كلام رنا أتى متطابقاً مع الفضيحة التي كشف عنها التحقيق الصادر عن راديو وتلفزيون بلجيكا، الناطق بالفرنسية (آر تي بي أف)، والذي تحدث عن شبكة إتجار بالممرّضين والممرّضات اللبنانيّين الذين تستقطبهم مكاتب التوظيف للعمل في بلجيكا، في ظلّ النقص بالممرّضين الذي تعاني منه المستشفيات البلجيكيّة.

وكشف التحقيق، الذي عمل عليه فريق الراديو لمدة أربعة أشهر، عن ممارسات أحد هذه المكاتب، “شبكة التمريض الدوليّة”، الذي استقطب حوالي 200 ممرّض وممرّضة لبنانيّين للعمل في مستشفيات عامّة وخاصّة في مدينتي لياج وبروكسل، وكسب المكتب أرباحاً من المستشفيات تُقدر بحوالي 10 آلاف يورو عن كل ممرّض.

ولا تقتصر الأرباح على تلك الواردة من المستشفيات، بل تُجنى من الممرّضين أنفسهم أيضاً، إذ أفادت إحدى الممرَضات أوليفيا (اسم مستعار) عن احتيال مدير الشبكة عليها، طالباً منها مبلغ 2,500 يورو لتعديل شهادتها، علماً أنَّ هذه التكلفة لا تتخطّى 200 يورو.
ويجبر عقد العمل الذي تعده هذه الوكالات الممرّضين والممرّضات بالعمل لمدّة سنتين تحت طائلة دفع غرامة ماليّة بقيمة 15,000 يورو. كما يمنع العقد الممرّضات من الحمل لمدّة سنتين، ما دفع إحدى الممرّضات اللبنانيّات إلى الإجهاض رغماً عنها، بحسب التحقيق.

وبناءً على تجربته، وصف أحد الممرّضين حبيب (اسم مستعار) عقد العمل بـ”العبوديّة الحديثة” و”الاتجار بالثوب الأبيض”، خصوصاً وأنَّ هذه المكاتب استغلّت حاجة الممرّضين اللبنانيّين للعمل بعد انفجار مرفأ بيروت والأزمة الاقتصاديّة، والتي دفعت بثلثهم نحو الهجرة، بحسب منظّمة الصحّة العالميّة.

نقابة الممرضين في لبنان، وباتصالٍ هاتفي مع “أحوال”، لم تعلق على هذا الأمر بانتظار التحقق من الموضوع، كذلك كان رد رئيس لجنة الصحة النيابية، النائب السابق عاصم عراجي بانتظار التفاصيل.

الواقع اللبناني المرير أصاب كل الواطنين ولكنه كان حاداً على حال رواد الإنسانية، وهذه كانت مكسباً لدول تحتاج هذه المهن من الخليج العربي الى اوروبا والأمريكيتين.

بانتظار الحلول الداخلية المستحيلة، ألا تستطيع السلطات اللبنانية حماية مغتربيها بالقانون والاحتضان، وإن لم يكن ذلك فعلى الأقل عبر بيانات اعلامية تسلط الضوء على هذه الممارسات الخطيرة وتضع المنظات الحقوقية الدولية أمام مسؤولياتها.

ناديا الحلاق

صحافية في صحف لبنانية عدة في أقسام السياسة الدولية والاقتصاد. كاتبة في مجلات عربية عدة ومواقع الكترونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى