بري رئيساً للمجلس النيابي ومناورات لإلغاء هزال التصويت
نبيه بري رئيساً للمجلس النيابي للمرة السابعة فائزاً بالتزكية وبفرضية فوز رئيس السن وفوزه بالأكثرية المطلوبة. هذه بديهية برلمانية لعدم وجود مرشحين آخرين من طائفته.
لكن ليس هذا ما يتمناه نائب الجنوب، بل هو يسعى إلى نيل منصبه المحتوم بميثاقية لبنانية تؤمن له تصويتاً نيابياً ضمن جميع المكونات الطائفية اللبنانية. وحتى الساعة ووفق الاتصالات الجارية بعيداً عن اللغو الخطابي فقد ضمن أصوات نواب سنّة ودروز ومسيحيين إضافة إلى “البلوك” الشيعي الضامن.
في المرة السابعة لانتخاب نبيه بري رئيساً للمجلس النيابي، الذي يتزعمه منذ العام 1992، تخرج أصوات المؤيدين في البرلمان “هزيلة” مقارنةً بالمرّات السابقة. والجدال والتحليل السياسيين يدور حول معيار الأغلبية أو الغالبية المرتجاة في التصويت.
دستورياً، المادة 44 من الدستور تحدّد احتساب الغالبية انطلاقاً من أصوات المقترعين، لا من الغالبية الّتي يتألّف منها المجلس قانوناً 128 نائباً، ما يعني أنّ هذه العملية، قد تحتاج إلى ما دون 65 نائباً.
نصّ المادة 44 من الدستور اللبناني، بحسب أستاذ الأعمال التطبيقيّة في مادة القانون الدستوري جهاد اسماعيل، يحدد عملية انتخاب رئيس المجلس من خلال غالبية المقترعين لا من خلال مجموع عدد أعضاء المجلس قانوناً.
بناءً عليه، إذا حضر 100 نائب جلسة الانتخاب، وكانت المنافسة بين مرشح نالَ 60 صوتاً وآخر نالَ 40 صوتاً، فإن الأكثرية المطلوبة، في الدورة الأولى، كما الثانية، هي 51 نائباً لا 65 نائباً.
أما إذا اقتصرت العملية الانتخابية على مرّشح واحد وحضر الجلسة 100 نائب، واقترع 80 نائباً لصالحه، و20 نائباً اقترعوا ورقة بيضاء، ما يعني العدد المحتسب قانوناً وفعلياً هو 80 فقط، سنداً للنصّ الدستوري نفسه، وللمادة 12 من النظام الداخلي لمجلس النواب اللبناني: “لا تدخل في حساب الأغلبية في أيّ انتخاب يجريه المجلس الأوراق البيضاء”، من دون أن يصل الأمر إلى إعلان الفوز بالتزكيّة.
هذا في الأحكام الدستورية والقانونية، أما في المعايير السياسية التي تفرضها الاصطفافات فإن التقديرات أن تكون طريق برّي للرئاسة حتمية وإن كانت متعثرة لناحية الأكثرية المطلقة.
وبخلاف الخطب النارّية لجهة رفض رئاسة برّي من قبل بعض القوى فلا يعدو كونه اشتباك مفتعل لا يُقدم ولا يؤخر في معركة التغيير التي تخوضها أحزاب لبست ثوب الثورة وبعض الوجوه البرلمانية الجديدة التي لم تتكشف هوياتها الحقيقية بعد.
الجلسة التي لم يتم تحديد موعد لها حتى الآن بانتظار التوافق على مسارها، واجتياز اختبارها الأول بأقل الخسائر الممكنة. وبحسب مصادر نيابية، فإن الرئيس بري غير راغب بأن يشهد اللبنانيون على جلسة مليئة بالمهاترات والاشتباكات الجانبية في أول التئام للمجلس النيابي الجديد لأن مثل هذه الأجواء ستنسحب على تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس الجمهورية. أي إدخال البلاد في صراعات طويلة قائمة على النكايات والولدنات الكفيلة بإغراق البلد بأزمات حادة يصعب الخروج منها، بحسب المصادر النيابية.
على خط التيار الوطني الحرّ الذي يستعدي “حليف الحليف”، يُجري حزب الله مفاوضات شاقّة لتليين موقف نائب البترون جبران باسيل، وقد قطع معاون الأمين العام للحزب الحاج حسين الخليل شوطاً كبيراً لتدوير موقف التيار لصالح التصويت لبري.
وفي هذا السياق، سيناقش تكتّل لبنان القوي في اجتماعه الأول بعد الانتخابات، موضوع انتخاب رئيس المجلس من دون البت في اتخاذ القرار وترك الأمور مفتوحة أمام باب المشاورات حتى تحديد موعد للجلسة البرلمانية.
القوات والكتائب اختاروا أن يُغيروا نبيه بري من دون أن يمتلكوا أدوات التغيير، وفيما لم يخرجوا من عباءتهم الطائفية على المستوى الحزبي، فهم لم يتمكنّوا من إيصال مرشح شيعي واحد لإيصاله إلى منصب رئاسة المجلس النيابي رغم ادعائهم الفوز بالأكثرية النيابية في المجلس. هكذا تكون معركتهم مع بري فاشلة مسبقاً.
أما حليف القوات الانتخابي “الحزب التقدمي الاشتراكي، فهو حليف دائم لرئيس المجلس، الذي أمن له وصول كتلته النيابية في الجبل من خلال تجيير أصوات وازنة له. بالتالي فإن الطريق الذي ساهم بري بتأمين مستقبل تيمور جنبلاط النيابي لمدة أربع سنوات سيكون معبّداً أمام بري نفسه للرئاسة ولكل مفصل يحتاج بري فيه إلى الصوت الدرزي خلال السنوات الأربع المقبلة.
أما بالنسبة للبرلمانيين الجدد، فالتوقعات حتى الآن تُشير إلى أن القوى “السيادية” و”التغييرية” التي ترفض عودة رئيس حركة أمل للامساك بالمطرقة النيابية قد تقترع بورقة بيضاء لعدم وجود مرشح بديل، أما إذا صوتت هذه القوى لمرشح آخر، على سبيل النكاية، فإن هذا النائب سيعلن عزوفه وتأييد بري وذلك لإسقاط أي محاولة ترمي لإضعاف محصوله الانتخابي ووصوله بثقة هزيلة.
لكنّ هذا الهُزال سيكون المدماك الأول في سياسة المشاحنات وعدم الفاعلية والانتاجية التشريعية لمواجهة الاستحقاقات المالية والمعيشية الصعبة في البلاد. والكتل النيابية الجديدة لا تملك ترف الوقت، والمطلوب السرعة بتكوين السلطة للبدء بالإنقاذ قبل الوصول الى الإعدام الجماعي اجتماعياً ومعيشياً.
ويبقى أن التواضع وعدم الانكار مطلوبين من القوى السياسية التي عليها تقبل نتائج الانتخابات وميزان القوى التي أرستها والتعاون للخروج من “جهنم” التي تحرق جميع اللبنانيين. فهل تكون الأصوات الجديدة في المجلس مفيدة أم معطّلة للحلول المطلوبة؟