كانت ليلة الخميس ليلة “مضحي الجمهورية” الأول، ليلة تراجيدية قدم فيها رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري نفسه على مذبح “الانتحار” السياسي لترؤس الحكومة معيداً صيغة “سعد أم الفراغ؟ الفراغ أم سعد؟” ومشترطاً تنفيذ البرنامج الإصلاحي الذي ورد في المبادرة الفرنسية. في مقابلته التي رافقها رصاص الابتهاج من طرابلس إلى طريق الجديد، أظهر الحريري وجهاً جديداً متحدياً الحلفاء قبل الخصوم وعارضاً نفسه حلاً لوقف الانهيار وردم الفراغ الحكومي والتقاط اللّحظة الفرنسية. “كنت قاسياً مع الجميع لكن الآخرين كانوا أقسى بكثير وأتمنى على كل الأحزاب الالتزام بالمبادرة الفرنسية بدون لفّ ودوران لوقف الانهيار”…
مراهناً على شدة وطأة الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية الخانقة، أعلن سعد الحريري بشكل واضح ترشحه “الطبيعي” لرئاسة الحكومة، وقيامه الأسبوع المقبل بسلسلة اتصالات مع مختلف الأطراف للتأكيد على التزام المبادرة الفرنسية، وعلى أن يترأس حكومة اختصاصيين، بمهمة تستمر لستة أشهر فقط. وأكد موافقته على إسناد وزارة المالية إلى شيعي دون التزام الطائفة بهذه الحقيبة إلى الأبد.
عرض زعيم تيار المستقبل إلى جانب خسارته الكثير من الوزن، خساراته السياسية وخساراته المادية الشخصية “أنا دخلت عالم السياسي وكان معي مليارات والآن لا أملك حتى مليارا واحدا وأتحدى أي سياسي يقول كم كان معه وقت دخل عالم السياسي وكم يملك الآن؟” وقدم جردة حول حلفائه الذين خذلوه من القوات إلى الحزب التقدمي الاشتراكي. بدا كأنه مسكيناً من أعظم مصائب “حاجته إلى مداراة الأشرار” وتقديم التنازلات مبقياً على جسور التواصل مع الجميع دون استثناء.
ليست أول مرة التي “يُخذَل” أنصار المستقبل من قبل زعيمهم لكنهم يبقون عليه فيه لأنه “ابن الرئيس الشهيد رفيق الحريري” كما يقول مصدر مستقبلي، “نحن من شاركنا في صفقة الرئاسة وفي قانون انتخاب أفرز أكثرية ومررنا تمديد عقود الكهرباء ومن أجل رئاسة الحكومة قدمنا التنازلات”. وفيما قال الحريري “أنا أضحي لأنني أرفض الفراغ”. يقول المصدر أن الحريري لم يحب الشعبوية بل يقدم المبادرات والتضحيات، من أجل لبنان والمواطن اللبناني طيلة مسيرته منذ 16 عاماً، وفي هذه اللّحظة الفاصلة يرغب في التقاط الفرصة الفرنسية التي قدَّمت للبنان وإلا ندخل في المجهول”.
لكن لاحظت مصادر نيابية أن “مواقف الرئيس الحريري إيجابية في مجمل مسار العملية السياسية بغض النظر عن “العتب” و”الشكوى” من “الخيانات” و”تخلي الأصدقاء” إلا أنه لم “يكسر الجرة”. ومن شأن ذلك أن يُحرك المياه الراكدة على صعيد الاتصالات ويُسرّع مواقف الكتل النيابية من تسمية رئيس مكلف، ولكن أياً كان الرئيس المكلف “تبقى مشكلة معايير تشكيل الحكومة شكلاً ومضموناً”.
لا أعتقد أن جمهوري يتوق لعودة علاقتي بجعجع إلى سابق عهدها
الحريري، الذي يعاني من علاقته بالسعودية يصر على علاقته الممتازة بها علماً أن ليس هناك ما يرشح عن ضوء أخضر سعودي لترشيحه، وأكد أن علاقته بالمملكة العربية السعودية لا يهزّها أحد معلناً ترشحه لرئاسة الحكومة اللّبنانية الجديدة.
وفيما أزاح عن كاهله عبء الحلفاء أعلن “حليفي فقط هو اللّبناني ومن يريدني سيصوت لي في الانتخابات المقبلة ولكن هدفي الأساسي الخروج من هذه الأزمة، ولا أعتقد أن جمهوري يتوق لعودة علاقتي بجعجع إلى سابق عهدها بعد كل ما قام به”. وأضاف “سمير جعجع عمل مصلحته وجبران باسيل يتحمّل مسؤولية إفشال العهد الجديد” مشدداً على أنه “قد صار الوقت، لإعادة إعمار بيروت ووقف الانهيار.
مصدر في القوات اللّبنانية علّق بالقول “مشكلة الشيخ سعد بكل احترام أنه كلما هرب من الفراغ أو خاف من حزب الله يذهب إلى تنازل بعد آخر حتى وصل البلد إلى ما وصلنا اليه للأسف”! ويؤكد بعد كلام الأمس يمكن أن نتأكد أن القوات والحكيم لم تخطئ حينما لم تسمه رئيساً للحكومة! القوات ليست جمعية خيرية هناك أصول للعمل السياسي. والقوات لم تطعن بالحريري بل قالت للحريري أنها تريد حكومة تكنوقراط”.
كان الجمهور القواتي يترقب هجوماً من الحريري على الثنائي الشيعي لكنه صدم بالسهام الموجهة ضده فيضرب المصدر القواتي مثلاً “ظلـم ذوي القربـى أشــدُّ مضـاضـة على المرء من وقع الحسام المهند”..حرام يا شيخ سعد الوفاء يعني الالتزام بسمير جعجع ولو استمرينا بالفراغ! نعم الفراغ أفضل وبلا مزايدة”.
ترفض القوات اللّبنانية حتى هذه اللّحظة طرح ما يسمى حكومة تكنو سياسية “إما حكومة مستقلة ومرجعيتها الدستور والقانون والعلم أو حكومة سياسية مرجعيتها المنظومة الحاكمة التي تضم حزب الله والتيار الوطني الحر وحركة أمل. ما بين الحكومتين هو خديعة!”.
نفض الحريري في إطلالته عن نفسه اتهام عائلته بحرمان الخزينة اللبنانية من رسوم حصر الإرث وقال إن العائلة دفعت رسوماً بقيمة 107 مليون دولار وهذا أمر يحتاج للتدقيق!.
يبقى ترشيح الحريري وطرح اسمه كمرشح لرئاسة الحكومة في دائرة الحذر حتى اللّحظة، وهو ما ستستكشفه القوى النيابية في الأيام المقبلة وردود كل من حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر على الحريري. وإذا ضاعت اللّحظة حتى مطلع الأسبوع دون التفاهم على اسم يحوز على غالبية نيابية كافية لنجاحه بتأليف الحكومة الجديدة ونيلها الثقة أي ربط مساري التكليف والتأليف فيعود اللّبنانيون إلى مربع الفراغ ومواصلة طريق الانهيار.
رانيو برو