هكذا سحب ميقاتي “مذكرة الجلب” بحق قضاة !
عماد مرمل
فوق أنقاض البلد وأوجاع الناس، تشتد التجاذبات بين المتنازعين على أرض محروقة في دولة مفلسة ومفككة.
والغريب، ان من ساهموا في ايصال لبنان وشعبه إلى قعر الهاوية يصرون على مواصلة سياسة الإنكار والمكابرة، كما يوحي سلوك أصحاب النفوذ المالي والسياسي، بدءا من المصارف التي لا تزال ترفض الاعتراف باشتراكها في حفر الهاوية وبالتالي ترفض ان تتحمل مسؤولياتها حيال المودعين وصولا الى السلطة التي لم ترتق بعد الى مستوى الازمة وتحدياتها ولم تعكس في نمط مقارباتها ومعالجاتها نهجا استثنائيا يترفع عن المصالح الصغيرة والحسابات الضيقة وفق ما تستوجبه المرحلة المصيرية.
وسط هذا الواقع، انفجرت المواجهة بين السلطة القضائية والقطاع المصرفي على وقع الملاحقات لحاكم البنك المركزي وشقيقه ولبعض البنوك التي جرى الاستماع إلى رؤساء مجالس إدارتها وتم اتخاذ تدابير قانونية في حقهم، ما دفع المصارف الى الإضراب التحذيري ليومين، فيما سارع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى عقد جلسة لمجلس الوزراء اراد منها احتواء الهجوم القضائي.
والمفارقة ان ميقاتي بلغ في رد فعله حد اصدار “مذكرة جلب” إلى الجلسة في حق بعض كبار القضاة قبل أن يسحبها بعد تدخل وزير العدل هنري خوري الذي أنيطت به مهمة التواصل مع القضاء.
وتفيد المعلومات ان إحدى الشخصيات كانت قد تواصلت مع وزير العدل ونصحته بأن يقنع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالعدول عن استدعاء عدد من المسؤولين القضائيين الى جلسة مجلس الوزراء التي عقدت السبت الماضي.
وعلم ان الشخصية لفتت اولا انتباه الوزير خوري الى ان اي طلب موجه إلى القضاة يجب أن يتم عبره “ولا يجوز تجاوزك في هذا الإطار.” وابعد من الدفوع الشكلية، اعتبرت الشخصية في معرض تداولها مع الوزير انه اذا أصر ميقاتي على استدعاء رموز السلطة القضائية للبحث معهم في الإجراءات التي تتخذ ضد بعض المصارف ومحاولة ثنيهم عنها، فإن ذلك سيضعه في موقف حرج وسيفتح عليه أبواب مغلقة هو في غنى عنها حاليا.
وسألت الشخصية الناصحة وزير العدل: “كيف سيبرر ميقاتي حينها امتناعه في المقابل عن فعل اي شيء في ملف التحقيق في انفجار المرفأ بعد مقاطعة وزراء حركة امل وحزب الله للحكومة احتجاجا على سلوك القاضي طارق البيطار، وكانت حجة ميقاتي للاعتراض على الخوض في هذا الملف آنذاك انه يرفض تدخل السياسيين في عمل القضاء ويحرص على استقلالية السلطة القضائية التي يجب أن تتولى بنفسها تصحيح اي خلل وفق الآليات المعتمدة لديها، وهو بقي متمسكا بموقفه على رغم ان حكومته تعطلت طويلا بسبب المقاطعة الشيعية، فكيف يجوز أن يتدخل في عمل القضاء عندما أصبح الأمر يتعلق بالقطاع المصرفي؟”
ونُقل عن تلك الشخصية تساؤلها: بأي طريقة كان ميقاتي سيبرر ازدواجية المعايير في مقاربته للوضع القضائي لو انه أصر على حضور كبار القضاة جلسة لمجلس الوزراء ليناقش معهم شأنا يتعلق بصلاحياتهم وأين الفصل بين السلطات في مثل هذه الحالة؟
واعتبرت الشخصية اياها انه لو بقي ميقاتي متمسكا بحضور القضاة جلسة حكومته، فانه كان “سيبدو منحازا الى جانب المصارف وسيوحي بأن له مصلحة معها دفعته الى التدخل لحمايتها ولو على حساب سمعة القضاء، وليس معروفا كيف كان سيبرر للثنائي الشيعي ان ما رفضه من قبل أصبح مقبولا الآن.”