مجتمع

بالأرقام.. أزمة خبز تلوح في الأفق

ارتبط رغيف الخبز ارتباطًا وثيقًا بالحراكات الشعبية التي اندلعت في لبنان منذ عشرات السنوات، وكان الرغيف عنوان التحركات لدلالاته المادّية والمعنوية، ولطالما سعت السلطة إلى دعمه والمحافظة على سعره عندما جنّت أسعار باقي السلع، باعتبار الرغيف هو الخبز اليومي للفقير، وكأن الفقير لا يأكل إلا الخبز.

ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، البلدان اللذان يتصدران قائمة الدول المصدرة للقمح في العالم، بدأت أزمة قمح تظهر للعلن في جميع الدول المستوردة للقمح ولبنان أولها، كونه يستورد كل حاجته من القمح الطري الذي يدخل في صناعة الخبز من الخارج، وبدأ الخوف يتسلل إلى وزراة الاقتصاد المعنية بالمواد الغذائية والقمح، فلبنان على شفير أزمة رغيف حقيقية وقريبة جدًّا خصوصًا مع الدمار الذي حل بالإهراءات بفعل انفجار المرفأ في 4 آب والتي كان يخزن فيها حاجته من القمح لأربعة أشهر.

مدير عام مصلحة الحبوب والشمندر السكري في وزارة الاقتصاد جريس برباري لفت في حديثه لأحوال إلى أن الإهراءات كانت تستوعب 120 ألف متر مكعب من القمح وكانت تكفي لأربعة شهور، أما المطاحن فكانت تستوعب مخازنها 50 ألف طن من القمح ويؤمنون حاجة السوق لشهر أو شهر ونصف، يعني يتراوح المخزون اللبناني من خمسة إلى ستة شهور، أما اليوم فالاتكال فقط على مخازن المطاحن بعد الدمار الذي حل بالاهراءات.

نحن نستورد 50 ألف طن شهريا يعني 600 ألف طن بالسنة، 35 ألف طن للخبز العربي و15 ألف طن للحلويات والافرنجي وغيرها شهريًّا، ونحن اليوم نعمل كل جهدنا لنأمن الخبز العربي فقط، لأن مصرف لبنان يتأخر في دعم القمح، فنحن نشتري القمح بالدولار المدعوم على سعر صرف 1515 وفق ما أكّد برباري.

وأشار برباري إلى أن سعر طن القمح قبل الأزمة الأوكرانية كان يتراوح ما بين 380 إلى 400$ ، حاليا وصل سعر الطن إلى 520$ ومن المرجح أن يصل إلى سعر أعلى، أضف إلى ذلك ارتفاع سعر المازوت والنفط والنايلون والزيت والسكر، فكل هذا يؤدي إلى رفع سعر الرغيف، ونحن نبذل كل جهودنا لتأمين الدعم للخبز الأبيض للمواطن.

وحول زراعة القمح في لبنان لفت برباري إلى وجود العديد من المعوقات، فلم يعد هناك أراضٍ زراعية بعد التوسع العمراني الذي حصل وفي ظل انتشار الكسارات والمرامل، لكن الوزارة تشّجع المزارعين على زراعة القمح والعديد من المزارعين يقومون بزراعة أراضيهم، ونوعية القمح اللبناني جيدة جدًّا لكنها لا تدخل في صناعة الخبز لأنه من النوعية القاسية و إنما تدخل في صناعة المعكرونة، ونحن نساعدهم على تصريف إنتاجهم إلى الخارج، فكل الزراعة اللبنانية تعطينا ما بين 40 إلى 50 ألف طن في السنة، وهو إستهلاك لشهر واحد فقط.

الحل اليوم بالبحث عن بدائل لكي نستورد من دول تصدر القمح كدول أميركا اللاتينية وغيرها، لكي نؤمن حاجة السوق المحلي ونجنّب لبنان أزمة غذائية خطرة، ولدينا مشكل بالدفع لروسيا بعد إخراجها من السويفت، وإن لم نجد مصادر جديدة فنحن ذاهبون إلى أزمة كبيرة، وفق ما أكّد برباري.

كلما اندلعت أزمة في العالم نرى لبنان يتأثّر بشكل مباشر أو غير مباشر، ولعلَّ هذه الأزمات تدفع بالسلطة إلى اعتماد الخطط الاستراتيجيّة لتجنب الكوارث التي تهدد الأمن الاستراتيجي لغذاء أبنائه، عوضًا عن الحلول الترقيعية التي أثبتت فشلها طوال العقود التي خلت.

منير قبلان

باحث قانوني. إعلامي ومعد برامج وتقارير سياسيّة واجتماعية. يحمل شهادة الماجيستير في الحقوق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى