ميديا وفنون

ما علاقة أفلام الأبطال الخارقين ببدعة الإمبراطورية الأميركية؟

الفشل السياسي الأميركي المريع على أرض الواقع هو ما يدفعها  نحو خلق أبطال خارقين لدعم المعتقدات والحفاظ على الوضع الراهن. أغلب سرديات أفلامهم تعتمد على بطل خارق ينقذ العالم، يتمتع عادة ببشرة بيضاء نقية وجسد منحوت وبنية قوية، والأهم من ذلك كله إنه أميركي مُخلص لوطنه ومستعد لبذل الغالي والنفيس في سبيل “انتصار قوى الخير على الشر”… يعملون على ترسيخ هذه الصورة.

عالم مارفل ليس سوى امتداد لما يحدث في قاعات وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وغيرها من أروقة السياسة، حيث أن البنتاغون تموّل هذه الأفلام التجارية منذ عقود وفقًا للسجلات التي قدمها البروفيسور ستيفن أندرهيل لجامعة مارشا. الفنّ في هذه الحالة ليس سوى وسيلة دعائية تستخدمها أميركا لتجميل وجهها الذي يبدو أنه يمضي نحو الزوال. على الرغم من أن فكرة الأفلام الدعائية السياسية قد ترتبط في المخيلة الأميركية بالدول السلطوية، مثل روسيا، الصين أو الدول الأفريقية، التي عادة ما تكون دول تحت حكم مستبد، وهي على خلافهم، دولة عظمى أخذت على عاتقها حماية قيم الحرية والديمقراطية والسلام والأمن الدوليين.

 

أيديولوجيا الأبطال الخارقين

أخذت هوليوود على عاتقها إنتاج أفلام الأبطال الخارقين، لسببين رئيسيين، الأول الدور السياسي الفعال الذي تلعبه تلك الأفلام في تشكيل الوعي الجمعي للأميركيين الذي يغطي على حقيقة أن الولايات المتحدة خسرت حرب فيتنام وفشلت في العراق وانسحبت من أفغانستان ولم تستطع القضاء على تنظيم القاعدة أو ما يماثله من حركات مثل بوكو حرام أو تنظيم الدولة الإسلامية. والثاني كونها أفلام شعبوية تحقق مبيعات هائلة في شباك التذاكر.

تلعب شركة هوليوود  دور الأداة التجميلية للسياسة الأميركية، ترسل مجموعة من الرسائل التي هدفها تدعيم القيم الرأسمالية المعاصرة للمجتمع الأميركي وسيادة الرجل الأبيض وتحويل “الآخر” إلى مصدر للخطر والشر. ويعبر جيمس موترام، المحلل الثقافي في جريدة ذا ناشونال الأميركية، عن ذلك بقوله “تقدم أفلام الأبطال الخارقين اليوم صورة جلية للمناخ السياسي المعقد أخلاقيًا”.

 

المجتمع الدولي ضحية الامبراطورية الأميركية

يعالج فيلم المنتقمون واحدة من أكثر الإشكاليات الأخلاقية إثارة للجدل في السياسات الخارجية الأميركية، وهي أن “المجتمع الدولي مضطر لخسارة بعض الأرواح لإنقاذ الكثير من الأرواح الأخرى”. فتظهر مسألة الضحايا المدنيين والأبرياء حيث يتجه الأبطال الى نيجيريا لمنع إطلاق سلاح بيولوجي خطير سيقضي على البشرية. وفي سبيل ذلك، تتحول نيجيريا، إلى منطقة صراع ومعارك حامية الوطيس.

فالمتضررون في وجودهم ، هم مجرد خسائر جانبية لا قيمة لهم في سبيل تحقيق السلام على يد الإمبراطورية الأميركية التي تمثل القوى العظمى التي تنقذ العالم من المخاطر المحدقة به. كل هؤلاء ضحايا لا قيمة لهم في سبيل هدف أسمى لا يستطيع تحقيقه غير البطل الأميركي الخارق.

امتدت السياسات الخارجية للولايات المتحدة، الى حد تأثيرها  في الداخل الأميركي. ففي حملته الانتخابية الأخيرة، شجع المرشح الجمهوري دونالد ترامب مؤيديه على “التخلص من الحمقى”، والحمقى وفقًا له، ليسوا فقط أي متظاهرين مناهضين له، بل حتى المسلمين الذين كان دائم التخويف منهم.

 

كذبة الشيوعية “خطر محدق”

في الجزء الثالث من ثلاثية باتمان للمخرج كريستوفر نولان، نرى نقدا يمينيا لحركة “احتلوا وول ستريت”، عندما غزا بان الشرير بورصة جوثام. حيث يتم في النهاية تفضيل الديمقراطية الليبرالية على الثورة الصريحة لأنه لا يوجد بديل غير الجوكر “رمز الجنون والفوضى” الذي يجب أن يتم قتاله لإعادة النظام إلى الهياكل الديمقراطية.

الولايات المتحدة منوطة بتحقيق السلام العالمي بوصفها “الشرطي ” المسؤول عن استقرار وأمن الدول. وإذا كانت سياستها الخارجية يشوبها أي خطأ أو في حاجة لتصحيح ومراجعة في الداخل، فإن الأمر يكون عبر الوسائل الديمقراطية وليس الثورات.

مع ذلك، لا تتطرق الأفلام الأميركية للحقائق مهما بدت متناقضة مقارنة بأفلامها. أبسط تلك الحقائق هي أن الولايات المتحدة خسرت 5 حروب كبرى منذ عام 1945، وأن الجيش الأميركي ليس الأفضل ولا الأكثر رعبا في العالم كما يظن معظم الأميركيين بفضل أفلام الأبطال الخارقين.

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، خسرت الولايات المتحدة كل حرب بدأتها وفشلت في كل مرة استخدمت فيها القوة دون سبب عادل. هذا ما ذكره هارلان أولمان كبير مستشاري المجلس الأطلسي وضابط بحرية سابق شارك في حرب فيتنام، الذي يرى أن الجيش الأميركي لو كان فريقًا رياضيا فإن تقييمه ما كان يتجاوز تقييم أي فريق هابط.

يذكر أولمان في كتابه “تشريح الفشل.. لماذا تخسر أميركا كل حرب تبدأها، أمثلة عن أن حرب فيتنام وحدها أدت إلى مقتل آلاف الأميركيين وملايين الفيتناميين. والسبب وجهة نظر حمقاء مفادها أن الشيوعية خطر محدق ويجب أن تتوقف عند هذا الحد.

 

لماذا غاب الأبطال الخارقون عن سمائنا العربية؟

استوعبت الحضاراتُ القديمة فكرة مكانةَ البطلِ الأسطوريّ ، وتعاملت معها بحكمة. فإذا أردت التحفيز للحرب اخْلِق بطلًا يحاربُ من أجلِك ويوحّد صفَّك، وإذا جنحتَ للسِلْمِ فاخلِقْ بطلًا له سِمات الزعامة وكاريزما لَمّ الشَمل، وإذا أحببت اخْلِق بطَلًا يجعل من الحبِّ عقيدة.

ستان العقل المفكر لشركة مارفل لعقودٍ من الزمن، ساهم بتطوير شخصيات الكوميكس منذ لحظة ميلاد كابتن أمريكا، ثم مع سبايدر مان، شخصيات أثرت أنعشت مارفل. على الجانب الآخر، نرى إسهامات  شركة دي سي جيري عبر سيغل وجو شاستر مبتكِرَا شخصية سوبر مان، كذلك الرسام بوب كين مبتكِر شخصية الرجل الوطواط مع الكاتب بيل فينغر. كان لكل من هذه الأسماء اللامعة في عالم صناعة الكوميكس والأفلام السينمائية دورًا فاعلًا في إحداث طفرة حقيقية.

وسط هذا الصخب القادم إلينا من الغرب والشرق، نجد سماءنا العربية تكاد تكون خالية من هذا القالب الفني، إلا بمحاولات فردية، بينما المال يُصَب في جيوب الشركات الأجنبية، ونحن لسنا على الخارطة، مجرّد ناقل بالدوبلاج والترجمة لكل ما يتوافد علينا من أفكار وأبطال حفروا في وجدان الشباب العربي مكانًا راسخًا.

البطل العربي مُختلف عليه، بل إننا قد نختلف في رؤيتنا للشرير ذاته‘ فكل ما في عالمنا العربي بات مائع، وتعددت الرؤى؛ ممّا زاد من صعوبة خلق بطل يرضي مزاج الكل.

 

يحيى الطقش،

 

 

 

يحيى الطقش

طالب لبناني يدرس الصحافة في كلية الاعلام في الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى