مجتمع

من يعيد السياحة الى “وادي الحجير”؟

للمرّة الأولى، منذ عشرات السنين، لم تتفجّر ينابيع وادي الحجير، المعروفة بعذوبتها وغزارتها، ولم تزدحم ضفاف نهر الليطاني بأعداد المتنزهين، سيما في “قعقعية الجسر” – قضاء النبطية و”طيرفلسيه” – قضاء صور، بعد أن انخفض منسوب النهر الى دون المستوى المطلوب للسباحة والاستجمام، في هذا الوقت من السنة الذي تكون فيه عادة برك تجميع المياه الصغيرة أشبه بمسابح ممتلئة بمياه الأمطار، ما أنذر الآلاف من رواد هذه الينابيع بصيف كئيب وجاف، الى حدّ الضمأ وهدّد معيشة عشرات العائلات من أصحاب المنتزهات الذين قرروا، منذ أيام التحرير، في العام 2000، العودة الى قراهم “لاستغلال مورد الرزق، الوحيد في هذه المنطقة، بالنسبة اليهم”، كما يقولون.

لذلك عمد عدد من هؤلاء، الى تحويل بعض مجاري الأنهار الجافة الى مسابح صغيرة، “علّها  تعوّض جزءاً من الخسارة المتوقعة”، وذلك بالاستعانة بما تبقى من مياه النهر، أو بالاعتماد على الآبار الارتوازية، التي يبدو أن لها دوراً في جفاف الينابيع باكراً، بعد انتشارها بكثافة في الوادي ومحيطه، خلال السنوات الفائته.

ويبدو أن أصحاب المنتزهات القليلة، من الذين حفروا الآبار الارتوازية سيكون لهم الحظّ الأوفر في استقطاب الزبائن، بعد أن شيدوا مسابح خاصة، تفي بحاجة ميسوري الحال فقط.

خلال سنوات الاحتلال الطويلة، غاب وادي الحجير، بينابيعه العذبة والغزيرة، وبأحراجه الخضراء الكثيفة بأشجار البطم والسنديان، عن أعين أبناء الجنوب اللبناني، ليتحوّل الى “خط التماس” الأول بين قرى الشريط المحتل، سابقاً، والقرى المحررة، ومنطلقاً لرجال المقاومة، الذين قدّموا بين أشجاره العشرات من الشهداء والجرحى.

بعد التحرير في العام 2000، ظلّ الوادي الأخضر، بعيداً أيضاً عن الأعين، كونه صار مقراً ثابتاً للمقاومين، الى ما بعد حرب تموز، والقرار 1701، ليصبح بعد ذلك المنتزه الطبيعي الوحيد في المنطقة، يجمع حول مياهه يومياً عشرات الأهالي، فتحولت ينابيعه الى مسابح متنقلة، وأماكن للاستجمام، حتى أن مطاحن الوداي السبعة العتيقة، التي يعود تاريخها الى أكثر من مئتي عام، بدأت تستعيد عافيتها، بعد أن تم ترميم ثلاثة منها، لتعود من معالم الوادي المقصودة.

“الاحتلال” هو نفسه الذي هجّر أحمد عباس ( 67 سنة) مع عائلته من بلدته “القنطرة” الى بلدة “الغندورية” التي كانت خارج الحزام الأمني، حينها اضطرّ عباس الى ترك أرضه الكبيرة، المحاذية لنبع الحجير التي كان يستغلها لاطعام أولاده. في حرب تموز الماضية، قدّم عباس شهيدين وجريحين من أبنائه الست، “لقد تصدوا لدبابات الميركافا، التي حاولت اجتياح النهر للوصول الى بلدة الغندورية، قاتلوا حتى فرغت بنادقهم من الذخيرة”، لكنه بعد “انتصار تموز و26 عاماً من التهجير، عاد مع باقي عياله وأحفاده الى أرضه المحررة، شيّد مسجداً صغيراً، ومنتزهاً كبيراً، يكفي لاطعام 12 أسرة من أقربائه، كما يقول، اضافة الى 6 موظفين”.

لكن جفاف النبع، هذا العام، “قد يؤدي الى  حرمان هذه العائلات من التعليم والطبابة وسبل الحياة الكريمة”. لذلك سارع عباس، الى بناء حوض صغير للسباحة، مستغلاًّ مجرى النهر الفارغ، وعمد الى ملئه بالمياه، من أحد الآبار الارتوازية، “سيكون ذلك حلاًّ جزئياً، لكنه غير كاف، لأن الأهالي يفضلون مياه النهر الجارية في الأرض الواسعة، اضافة الى أن مساحة المسبح لا تستوعب الاّ عددا قليلاً من الزبائن”.

ويؤكد أن “نبع الجير لم يجفّ، كما هو عليه الأن منذ نعومة أظافره”. حال عباس تشبه حال العشرات من أصحاب المنتزهات المحاذية للنهر في “قعقعية الجسر” و “طيرفلسية”، من الذين “سيضطرون بعد شهر الى اقفال منتزهاتهم”، كما يقول محمد بندر، صاحب احدى الاستراحات، الذي حمّل  الدولة” المسؤولية عن عدم اقامة السدود والخطط البديلة لمواجهة شحّ الأمطار وتشجيع السياحة في المنطقة”، مبيناً أن “السدود كانت كفيلة بمنع انجراف مياه النهر نحو البحر، ما يمنع توقف السياحة، ويساعد المزارعين وأصحاب المنتزهات”.

يلوم بعض الأهالي الجهات المعنية بحماية البيئة والسياحة لعدم منع انتشار الآبار الأرتوازية، فيقول المواطن أحمد رمال أن ” عدد الآبار المحفورة في وادي الحجير تزيد على 13 بئر”، ويؤكد عباس وجود هذه الآبار، ويقول إن “بعض هذه الآبار تم حفرها مؤخراً، حتى أن أحد الآبار الذي تم حفره في العام 2004 أدى الى توقف مياه نبع الحجير الرئيسي، ما اضطرّ المعنيين الى ردم جوف حفرة النهر بالباطون المسلّح”.

ويذهب رئيس اتحاد بلديات جبل عامل علي الزين الى أن “منسوب نهر قعقعية الجسر تراجع الى أكثر من 70%، وأن حفر الآبار الارتوازية يهدد المخزون الاستراتيجي للمياه في المنطقة، ولا يستفيد منها الاّ أشخاص محددين، رغم أن القانون يمنع حفر مثل هذه الآبار”.

ويعتبر أن جفاف النبع والنهر سيشكلان مشكلة كبيرة لأبناء المنطقة، التي يقيم فيها أكثر من 100 ألف نسمة، اذا لم تسارع الدولة لابتكار الحلول الجزئية، وتمنع تكرار ماحصل. وبين أن “الاتحاد بصدد اعداد دراسة هندسية لتشييد معلم سياحي مميز في وادي الحجير، واستخدامه للدلالة على هوية الوادي التراثية والجمالية ودوره في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي”.

يذكر أن عددا من الكسارات لا تزال تعمل داخل نطاق محمية وادي الحجير، رغم اتحاد بلدية جبل عامل استطاع  مع “لجنة محمية وادي الحجير” أن يفلح في وقف تجديد الرخص المتعلّقة باقامة الكسارات في نطاق المحمية. يذكر أن القانون المتعلق بانشاء المحمية حدد مكان المحمية” في الأراضي التي هي ملك الدولة وضمن مشاعات بلديات القرى المحيطة، من مجرى نهر قعقعية الجسر، أسفل مدينة النبطية، حتى بلدة عيترون في قضاء بنت جبيل”.

وأشار الى أن “الحفاظ على البيئة الطبيعية والنباتية والحيوانية هي من أهداف المحمية”، ومنع القانون “قطع واستثمار وتصنيع جميع الأشجار، ودخول المواشي، واستخراج أو نزع الحجارة أو الرمل أو المعدن أو المياه أو التراب..وأي عمل يخلّ بتوازن المحمية تحت طائلة المصادرة والغرامات المالية والحبس من شهر الى ستة أشهر”.

كما خصّصت وزارة البيئة مبلغ 66 مليون ليرة سنويا لدعم المحمية، وقدّرت مساهمة وزارة البيئة المالية للعام 2013 للحفاظ على المحمية ب 25700000 ل. ل. يتم صرفها، بحسب الزين على ” الموارد البشرية، من مدير المحمية وحرّاسها والتأمينات الصحية، والنفقات البيئية المتعلقة باعداد الدراسات، واعداد لوحات تعلن عن المحمية وتنظيم ورش عمل وغيرها”.

كما أعدّت لجنة محمية وادي الحجيرخطّة تتعلّق ” باعداد مخطط توجيهي للحد من الحرائق، ومتابعة أعمال تطهير المحمية من القنابل العنقودية، وزيادة المساحات الخضراء، وتحديد الحدود الفعلية للمحمية” اضافة الى ” الاستثمار السياحي البيئي للمحمية بالشكل الذي لا يؤثّر سلباً على مكوناتها الحيوية”.

داني الأمين

داني الأمين

صحافي وباحث. حائز على اجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى