لقاء “السفارة” و”المجلس”: عتابٌ وانتقاد
إقرار أميركي بـ"المرجعية الشيعية" بعد اليأس من "شيعة السفارة"؟
لم تكُن زيارة السفيرة الأميركية في بيروت، دورثي شيا، إلى المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى مجرّد خبر عادي، في ظلّ الأجواء المتشنّجة التي طبعت العلاقة بين السفارة الأميركية و”المجلس” طيلة المرحلة الحالية، وتحديداً بعد أحداث تشرين الأول 2019 واتهام مراجع الطائفة الشيعية الأميركيين بتحريك وإدارة التظاهرات الشعبية وقطع الطرقات وأعمال العنف التي شهدتها شوارع لبنان لتحقيق أهداف سياسية، فضلاً عن التدخل المباشر في الشؤون الداخلية وفرض عقوبات مالية في سياق سياسة الحصار الاقتصادي التي تتّبعها واشنطن ضد لبنان، وتقليب بيئة “حزب الله” عليه وفرض الشروط السياسية.
وجاءت الزيارة بعد موجة واسعة من الخطابات التصعيدية لمراجع دينية وسياسية شيعية ضد سياسة الأميركيين في لبنان التي أدت إلى تجويع اللبنانيين، لا سيما المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان والشيخ علي الخطيب، فضلاً عن نواب ووزراء “حزب الله” الحاليين والسابقين، الذين هم أعضاء في “المجلس الشيعي”. هذا ولم تزُر السفيرة الأميركية منذ عام كامل مقر المجلس في طريق المطار، حيث التقت رئيس المجلس آنذاك الراحل الشيخ عبد الأمير قبلان.
فهل تهدف الزيارة لاحتواء “المجلس” بعدما ضاقت “عوكر” ذرعاً من خطابات مفتيه وشيوخه لاسترضاء الشيعة والفصل بين موقف السفارة من الشيعة وموقفها من “حزب الله”؟ أم أنه إقرار واعتراف أميركي بالمرجعية الرسمية للطائفة الشيعية المتمثلة بـ”المجلس الشيعي الأعلى” بعد يأس عوكر من “شيعة السفارة”؟
مصادر مشاركة في اللقاء كشفت لـ”أحوال” أن “البحث تناول الشؤون العامة، حيث جدّدت السفيرة شيا التأكيد على استمرار المساعدات المالية للجيش اللبناني كضمانة للإستقرار الداخلي، وعلى المساعدات للمحتاجين المتضرّرين من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة”، كما أكّدت على “أهمية إجراء الانتخابات النيابية في هذه المرحلة”، مشددة على أن “التفاوض مع صندوق النقد الدولي سينطلق، والمفاوضات ستكون شاقة وطويلة وتتطلب إجراءات واسعة من الحكومة اللبنانية، لكنها المدخل الوحيد لإعادة النهوض الاقتصادي مقابل تقديم مساعدات مدروسة”.
وكشفت المصادر أن “الشيخ الخطيب استغل اللقاء لعتاب السفيرة شيا وانتقاد منح المساعدات الأميركية إلى مؤسسات الدولة اللبنانية، مطالباً أن تصل الى مستحقيها وليس إلى مؤسسات غير رسمية، وأن لا تُستخدم في الاستحقاق الانتخابي”، مؤكدًا أن “الاستحقاق الانتخابي فرصة للبنانيين للتعبير عن آرائهم واختيار ممثليهم وتحقيق الاستقرار السياسي للوطن، وليس لأهداف سياسية وتعزيز الانقسام بين اللبنانيين”، إلا أن السفيرة الأميركية ردت بالتأكيد للخطيب أن “المساعدات لا تُستخدم في الانتخابات، بل للتخفيف من وطأة الضغوط الاجتماعية على المواطن”، لتتساءل بالمقال مصادر سياسية عن المساعدات الأميركية المستمرة لمؤسسات المجتمع المدني “NGOs” ووجهة استخدامها؟
من جهته، وصف مصدر في “المجلس” لموقعنا الاجتماع بـ”الهادئ”، حيث طغى عليه طابع المجاملات وتبادل وجهات النظر في جملة ملفات محلية، موضحاً أن “النقاش لم يدخل في ملفات سياسية حساسة كـ”سلاح حزب الله”، كون السفيرة تعلم أن المجلس يتأثر بموقف ثنائي “أمل” و”حزب الله”، إلا أن المصادر السياسية لفتت إلى أن “للزيارة حسابات وأهداف سياسية تهدف لإيصال رسالة بأن الأميركيين ليسوا ضد الشيعة بل ضد سياسات “حزب الله” في لبنان والمنطقة”.
في المقابل، تشير مصادر أخرى مطّلعة على العلاقة بين المجلس والسفارة لـ”أحوال” إلى أن “زيارة شيا إلى المجلس تندرج في إطار العودة للاقتراب من المؤسسة الرسمية الممثلة للشيعة، بعد فشل مشروع دعم أطراف وشخصيات وجمعيات شيعية محسوبة على السفارة لمواجهة “حزب الله” في الانتخابات النيابية وحصد عدداً من المقاعد النيابية الشيعية محسوبين على الأميركيين، بموازاة فوز خصوم التيار الوطني الحر في مناطق عدة لخلق كتلة نيابية وازنة تواجه الحزب والتيار في المجلس النيابي، وتتماهى مع السياسة الأميركية”.
ولفتت المصادر إلى أن “زيارة السفيرة الأميركية تعكس إقراراً أميركياً بالمرجعية الشيعية الرسمية، بعد اليأس من شيعة السفارة الذين تلقوا مساعدات مالية كبيرة من الأميركيين ولم يستطيعوا خرق الثنائي”.
محمد حمية