إلى أين يذهب إعلاميّو “المنار”؟
تنتشر، بين فترة وأخرى، أخبار انتقال إعلاميين لبنانيين، من محطة تلفزيونية إلى أخرى، عبر وسائل التواصل الإجتماعي غالباً، وأحيانا عبر تسريب أخبارهم _ برغبة منهم_ عبر مواقع إعلامية مُحددة بهدف الترويج والدعاية، ويُعتبر ذلك جزءًا من اللعبة الإعلامية وتبادل الخدمات بين الطرفين (إعلاميون ومواقع).
كل ذلك، يجري مقابل صمت المحطات، التي تخلّت عن هؤلاء الإعلاميين، واستنكافها عن اصدار أي بيان توضيحي إلاّ من كانت أسباب انتقاله مثيرة للكلام العام.
وقد بدأت إثارة الإعلاميين لتنقلّهم من موقع إلى آخر بشكل لافت بعد الفورة الإعلامية العربية المتمثّلة بإطلاق “قناة الجزيرة”. والمثال على ذلك، هو بيان خروج بعض الإعلاميات من قناة “الجزيرة” عام 2010، وهن كل من جمانة نمّور، ولينا زهر الدين، وجلنار موسى، ونوفر عفلي ولونا الشبل، اعتراضا ًعلى سياسة القناة تجاههن.
ولحقهم، فيما بعد، بيان خروج وعودة الإعلامي اللبناني عباس ناصر عام 2010 من “الجزيرة”_ مكتب بيروت_ أيضا، بسبب الخلاف مع مدير مكتب بيروت حينها الإعلامي غسان بن جدو الذي ترك القناة أيضاً ليؤسس “الميادين”.
اليوم، تشهد المحطات المحليّة اللبنانية عدداً من التنقلات المثيرة ما بين قنوات الـ”aljadeed”، والـ”otv”، والـ”mtv”، والـ”lbc”.
كل ذلك، وإن كان في ما مضى، يبدو صعباً على المُتابع والمشاهد لنشرات الأخبار في هذه المحطات، بسبب الفروقات في السياسات الإخبارية بين هذه المحطات، إلاّ أنّ هذه الفروقات إختفت اليوم بشكل كبير، فلم يعد ثمة قلق لدى المُراسل أو الإعلامي في عملية الإنتقال، وبالتالي باتت عملية نقل الميكروفون (البارودة) الإعلامية من كتف إلى كتف أمراً سهلاً، وتجد مبرراتها تحت عناوين أبرزها أنّ الإعلامي المتنّقل غير ملتزم سياسياً مع محطته!.
خاصة، أنّ عدداً كبيراً من الإعلاميين اللبنانيين إنتقلوا إلى شاشات الإعلام الخليجي في فترات سابقة_ رغم أنّه إعلام مختلف كلياً عن الإعلام اللبناني الغارق بمحليته_ هذا الإعلام الذي كان النقيض في معظم نشرات المحطة المحلية لأسباب خلافية ومختلفة.
وبالطبع الإعلامي لا يتحمّل وزر سياسة المحطة التي يعمل بها، لأنّ الإعلام اللبناني تحوّل من النشرات الحزبية المؤدلجة، والإذاعات الحزبية، والجرائد الناطقة باسم حزب أو تيار أو منظمة إلى إعلام، وبالأخص المرئي، بات بيد رجال أعمال ومتمولين ومستثمرين أكثر منه بيد أحزاب وتيارات.
إذن، بات إعلاميو لبنان يتنّقلون من محطة إلى أخرى داخل لبنان وخارجه، وبسهولة تامة.
ويبقى الأساس في هذا التعليق السؤال التالي: إلى أين ينتقل إعلاميو المنار في حال اختلافهم مع محطاتهم الإعلامية كالمنار والنور؟ وهل يجدون فسحات وخيارات أخرى تُتيح لهم الحفاظ على خياراتهم السياسية، خاصة أنّهم الوحيدون الآتين من خلفية عقيدية وحزبية، وصرامة مهنية، وبشروط دقيقة جداً، أبرزها الموافقة الأمنيّة على العمل ضمن فريق “المنار” و”النور” وغيرها من الوسائل الإعلامية الواقعة في إطار خط الإلتزام السياسي والديني.
مع الإشارة إلى أنّ الاستكتاب في وسائل إعلام حزب الله المكتوبة تبقى أكثر حرية، فليس من شروطها تحقيق الشرط الأمني بقدر طلب تحقيق تمامية الولاء السياسي العام، وإن كان المطلوب الخيار السياسي الواحد ضمن خط ما إصطلح على تسميته بـ”الممانعة”.
في الغالب، يتوّزع إعلاميو المنار في حال خروجهم من المحطات المذكورة المرتبطة بجو الالتزام السياسي والديني، على قنوات “العالم”، أو”الكوثر”، أو”المسيرة”، أو”النبأ”، أو”الصراط”، أو”الإيمان”ن أو”فلسطين اليوم”، إضافة إلى محطات أخرى كـ”الثبات” و”الإتجاه” و”الإتحاد”. وهذه كلها محطات ذات طابع وتوّجه ديني/ سياسي ملتزم.
وتُعتبر “المنار” على رأس كل المحطات الملتزمة، وهي الأبرز بينهن. من هنا فإنّ خيارات الإعلاميين السياسيين في “المنار” تصبح ضيقة ومُحدودة جداً، ومقفلة نهاية الخط، ما خلا من أراد الخروج كليّاً من سياق هذا الخط الملتزم، كما حصل مع بعض الإعلاميين كعباس ناصر الذي استقر في فضائية “العربي الجديد” مُنتقلاً من “المنار” إلى “الجزيرة” في المرحلة السابقة، والإعلامي حسن جمّول الذي استقر في “الجزيرة” منذ أعوام طويلة تاركاً “إذاعة النور”.
وهناك عدد من الإعلاميين خرج بعد خلاف من “المنار” واختفى عن الساحة الإعلامية رغم سنوات الخبرة، وربما بسبب عدم توّفر خيارات جديدة مناسبة للتجربة والخبرة والخط السياسي الملتزم.
وهنا مأزق الإعلام المُلتزم في لبنان، هذا البلد الذي قسى، ولا يزال يقسو على الإعلاميين المقاومين، الذين يسعون لفرض شروطهم الصعبة نوعا ما، لكن المعروض أقل من المطلوب، كما يُقال.
ولعل الشروط التي يضعها الإعلامي المُلتزم على نفسه تجعل من خط تحرّكه وتغيير مؤسسته أو البحث عن خيارات أفضل له ولمستقبله، تجعله واقفاً أمام خيار واحد واتجاه واحد فقط لا غير، كخط السير “الإجباري”.
وتظل هذه المعضلة، المُحتاجة إلى حلّ، من قبل الإعلاميين الملتزمين، فكيف سيندمجون مع بيئة أكثر انفتاحا؟ ومتى سيصير الإلتزام الديني شأنا خاصاً لا يُشكّل سمة من سمات العمل الإعلامي؟ مع الحفاظ على الموقف السياسي الملتزم فيما يتعلق بالتطبيع وإسرائيل والمقاومة؟
سلوى فاضل