نجيب ميقاتي والإنتخابات النّيابية: هل يلقى مصير سليم الحصّ؟
بعد أكثر من أسبوعين على تأليفه الحكومة في 10 أيلول/سبتمبر الماضي، سُئِل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في لقاءٍ تلفزيوني أُجري معه في 27 من الشّهر نفسه، حول ما إذا كان سيترشّح للإنتخابات النّيابية المقبلة أم لا، فأعطى جواباً ضبابياً حول احتمال خوضه غمار تلك الإنتخابات من عدمه، وأبقى الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام تكهنات مختلفة، عندما قال “لم أتّخذ قراري بعد، وسأعلنه قبل ساعات من إقفال باب الترشّح”، معيداً إحتمالات عدم ترشّحه إلى الواجهة مجدّداً كما فعل في دورة إنتخابات عام 2005، وهو ما أشار إليه “أحوال” في وقت سابق (إقرأ: هل يعزف ميقاتي عن الترشّح للإنتخابات النيابيّة المقبلة؟ 28 تمّوز (يوليو) 2021؛ واقرأ أيضاً: دائرة الشّمال الثّانية: مصير التحالفات والنّتائج بيَد ميقاتي، 13 تشرين الأوّل (إكتوبر) 2021).
قبل نحو 16 عاماً، وتحديداً بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، تقدّم ميقاتي إلى واجهة المشهد السّياسي وتمّ تكليفه في 19 نيسان من ذلك العام تأليف الحكومة، معلناً إستعداده قبول “شروط” تأليف حكومة لا يكون رئيسها ولا الوزراء المشاركين فيها مرشحين للإنتخابات النيابية التي جرت ذلك العام، مستغنياً عن مقعد نيابي خسره بعدم الترشّح له، لكنّه ربح في المقابل دخوله إلى نادي رؤساء الحكومات وحمله لقب “دولة الرئيس”.
غير أنّ ميقاتي الذي عاد إلى رئاسة الحكومة للمرّة الثالثة في شهر أيلول الماضي، بعدما كان قد ألّف الحكومة للمرّة الثانية في 13 حزيران من العام 2011، لم يضع أحد عليه أو على أعضاء حكومته هذه المرّة شروط عدم ترشّحهم للإنتخابات المقبلة، ما أثار تساؤلات حول مغزى تصريح ميقاتي الأخير من إبقاء ترشّحه أو عدمه للإنتخابات غامضاً، برغم أنّ مصادر مقرّبة منه أكّدت لـ”أحوال” في وقت سابق أنّ “تيّار العزم الذي يرأسه ميقاتي، بدأ التحضير للإنتخابات النيابية، وأنّ الإستعدادات وتزييت الماكينة الإنتخابية تجري بهدوء، وكلّ ما يُحكى عن عدم ترشّحه مجرد تأويلات”.
من جهة أخرى، مصادر سياسية متابعة أكّدت لـ”أحوال” أنّ ميقاتي، كما هو معروف عنه، يدرس حساباته وخياراته جيداً قبل الإقدام على أيّ خطوة، وأنّ من بين هذه الحسابات وأيضاً الخيارات، إضافة إلى ترشّحه أو عزوفه، دعمه لائحة من المرشّحين المحسوبين عليه ومن الحلفاء، والفوز بكتلة نيابية تعبّر عن حيثيته السّياسيّة في طرابلس والشّمال، وأن تقف هذه الكتلة إلى جانبه في المرحلة المقبلة، خصوصاً أنّه ينوي ـ كما نُقل عن مقربين منه ـ البقاء في السّرايا الحكومي الكبير حتى نهاية عهد رئيس الجمهورية ميشال عون، وعهد الرئيس الجديد الذي سيليه”.
إلا أنّ عدم ترشّح ميقاتي مقابل دعمه مرشحين محسوبين عليه وحلفاء على لائحة تيّار العزم المرتقبة، تبدو “مغامرة غير مضمونة”، برأي كثير من المراقبين، إذ رأى بعض هؤلاء في حديث لـ”أحوال” أنّ “ميقاتي لم يستطع منذ دخوله معترك العمل السّياسي تأمين قاعدة حزبية أو عصبية سياسية موالية له وتلتف حوله في السرّاء والضرّاء، بل قام حضوره السياسي أساساً على الخدمات، وعلى التعاطف معه وتأييده شخصياً، وهو ليس قادراً، لأسباب شتّى، على توجيه قاعدته الإنتخابية للإقتراع لهذا المرشّح أو ذاك، ولا توريث تركته السياسية إلى خلفه، كما فعل زعماء سياسيين سواه، أمثال عمر كرامي ووليد جنبلاط وسليمان فرنجية وغيرهم”.
ويضرب المراقبون مثالاً على ذلك بنتائج دورة الإنتخابات النيابية الأخيرة التي جرت عام 2018، عندما حصد ميقاتي الرقم الأول بين المرشّحين في طرابلس، والأعلى بين النوّاب السنّة الفائزين في لبنان، بعدما حصل على 21300 صوتاً تفضيلياً، بينما كان أقرب المرشحين إليه على “لائحة العزم” التي ترأسها، وبفارق شاسع جداً، النّائب علي درويش الذي حصل على 2246 صوتاً تفضيلياً فقط، ما يثبت أنّ “قدرته على تجيير الأصوات للآخرين ضعيفة للغاية”.
إزاء ذلك، يُبدي مراقبون مخاوف من أن تلقى لائحة ميقاتي المدعومة منه، إذا فضّل عدم الترشّح، مصير الرئيس السّابق للحكومة سليم الحص، الذي خسر إنتخابات عام 2000 هو وكامل أعضاء لائحته أمام لائحة الرئيس الراحل رفيق الحريري، ليكون بذلك أوّل رئيس حكومة في لبنان يخسر وهو في السّلطة إنتخابات نيابية، وأنّ ميقاتي يبدو، ولو بشكل غير مباشر، مرشّحاً ليكون التالي.
عبد الكافي الصمد