دائرة الشّمال الثّانية: مصير التحالفات والنّتائج بيَد ميقاتي
إشاراتان صدرتا مؤخّرًا من طرابلس بخصوص الإنتخابات النّيابية المقبلة، التي ما يزال تحديد موعدها النّهائي محلّ تجاذب بين القوى السّياسية، أعطتا إنطباعًا أنّ نوّاب ومرشّحي المدينة، على اختلافهم، بدأوا يعدّون العدّة لخوض الإستحقاق الإنتخابي المقبل، كلّ على طريقته.
الإشارة الأولى صدرت عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي أعطى، في لقاء تلفزيوني أُجري معه في 27 أيلول الماضي، جواباً ضبابياً حول احتمال خوضه غمار الإنتخابات النّيابية المقبلة من عدمه، وأبقى الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام تكهنات مختلفة، عندما أشار إلى أنّه “لم أتّخذ قراري بعد، وسأعلنه قبل ساعات من إقفال باب الترشّح”، معيداً إحتمالات عدم ترشحه إلى الواجهة مجدّداً، وهو ما أشار إليه “أحوال في وقت سابق (إقرأ: هل يعزف ميقاتي عن الترشّح للإنتخابات النيابيّة المقبلة؟ 28 تمّوز (يوليو) 2021).
لكنّ مصادر مقرّبة من ميقاتي، أكّدت لـ”أحوال” أنّ “تيّار العزم الذي يرأسه، بدأ التحضير للإنتخابات النيابية، وأنّ الإستعدادات وتزييت الماكينة الإنتخابية تجري بهدوء، وكلّ ما يُحكى عن عدم ترشّح ميقاتي مجرد تأويلات”.
بدورهم، يستبعد مراقبون عزوف ميقاتي عن الترشّح للإنتخابات النّيابية المقبلة، ويرون أن “إقدامه على هكذا خطوة ستكون نكسة سياسية كبيرة له ولتيّاره السّياسي”، معتبرين أنّ ميقاتي “يدرس خيارين: الأوّل ترشّحه وترؤسه لائحة تضم مقربين وحلفاء؛ والثاني أن لا يترشح، على أن يدعم لائحة مكوّنة من مرشحين محسوبين عليه ومن حلفاء”.
أمّا الإشارة الثانية التي صدرت من طرابلس، فتمثلت في مشاركة رئيس تيّار الكرامة النّائب فيصل كرامي بلقاء شعبي في محلة الحارة البرّانية في 8 تشرين الأوّل الجاري، بدت وكأنّها أوّل حملة إنتخابية تُطلق بالمدينة بشكل غير رسمي، فمنها أعلن كرامي أنّ “أوّل خطوة في المسار النضالي هي أن تسترجع طرابلس صوتها وحضورها عبر كتلة نيابية طرابلسية”.
إشارتا ميقاتي وكرامي الإنتخابيتان لم تنبعا من فراغ؛ فالأوّل، عدا عن كونه الرئيس الحالي للحكومة، فقد فازت لائحته في دورة إنتخابات عام 2018 بأربعة مقاعد من أصل 8 في طرابلس، ومن أصل 11 في دائرة الشّمال الثانية، التي تضمّ أيضاً الضنّية والمنية، وحاز ميقاتي حينها على 21300 صوتاً تفضيلياً، ما جعله يحصل على الرقم الأعلى بين جميع النوّاب السنّة في لبنان لجهة حصولهم على الأصوات التفضلية، متقدماً حتّى على الرئيس سعد الحريري نفسه، الذي حاز في دائرة بيروت الثانية على 20751 صوتاً تفضيلياً.
أمّا كرامي الذي حاز في الإنتخابات السّابقة على 7126 صوتاً تفضيلياً في طرابلس، فتنبع إشارته الإنتخابية من نقطتين: الأولى أنّه سليل عائلة سياسية عريقة ومتجذّرة في طرابلس، برغم تراجع حضورها ونفوذها، غير أنّها بقيت محافظة على الحدّ الأدنى من وجودها وتماسكها؛ والثّانية أنّ شعبية كرامي -وفق إستطلاعات الرأي- تشير إلى ارتفاع ولو بطيء لكنّه ثابت.
مقابل ذلك، تشير إستطلاعات الرأي إلى وجود أزمة حقيقية يعانيها تيّار المستقبل، فمن أصل ثلاثة مقاعد حصل عليها التيّار الأزرق في طرابلس، تعود للنوّاب محمد كبّارة وسمير الجسر وديما جمالي، فإنّ كبّارة وحده الذي ما يزال يحافظ على وضعه الجيد، ولو رشّح بدلاً منه نجله كريم، بينما يعاني الجسر وجمالي وضعاً صعباً، وهما مهدّدان بخسارة مقعديهما النيابيين بنسبة تفوق 60 %، حتى لو رشّح الجسر مكانه نجله غسّان، بعد إعلان الجسر الأب لمقربين منه أنّه لن يترشح لدورة الإنتخابات المقبلة.
كلّ ذلك يعني أنّ مصير هذه الدائرة هو بيد ميقاتي، فهو إذا ما قرّر خوض الإنتخابات المقبلة إنطلاقاً من كونه رئيساً للحكومة، لتثبيت حضوره السّياسي في المدينة والطّائفة السنّية ولبنان، وشكّل لائحة تحالف فيها مع أقوياء، فإمكانه أن يحصد فيها مع الحلفاء أغلب مقاعد الدّائرة.
ما يحصل في طرابلس لا يحجب الواقع الإنتخابي في الضنّية والمنية اللتين تشكلان مع عاصمة الشّمال دائرة إنتخابية واحدة. فوفق إستطلاعات الرأي في الضنّية، فإنّ النّائب جهاد الصمد ما يزال محافظاً على قوته الإنتخابية التي تعادل حاصلاً إنتخابياً، بحصوله في الإنتخابات السّابقة على 11897 صوتاً تفضيلياً، وهو يشكل رافعة للآخرين وليس العكس، أمّا المقعد الآخر في الضنّية الذي فاز به عضو كتلة المستقبل النائب سامي فتفت بحصوله على 7943 صوتاً تفضيلياً، فإنّ حسمه متعلق بالتفاهم عليه من عدمه بين ميقاتي والحريري.
تبقى المنية، فالتنافس فيها سيبقى على حاله بين عضو كتلة المستقبل النّائب عثمان علم الدين الذي نال بالإنتخابات السابقة 10221 صوتاً تفضيلياً، والنّائب السّابق كاظم الخير (كان على لائحة ميقاتي) الذي حصل على 6754 صوتاً تفضيلياً، وحسم المقعد الوحيد المخصص للمنية معلق على حبل التحالفات في الدائرة الإنتخابية ككّل.
عبد الكافي الصمد