خفايا حظر تيك توك ما بين السياسة والأمن والاقتصاد
موضوع الساعة الآن هو حظر تطبيق تيك توك TikTok ووي شات WeChat في الولايات المتحدة الأميركية ابتداءً من يوم الأحد 20 أيلول – سبتمبر 2020.
لهذا الموضوع خلفيات سياسية، أمنية واقتصادية بامتياز والجدير ذكره أن موضوع TikTok يختلف كليا عن موضوع WeChat!
سوف نبدأ بشرح طبيعة الحظر على TikTok. من المعروف أن الرئيس الأميركي يستخدم طريقة التهديد والوعيد ورفع السقف بهدف الحصول على مبتغاه على طريقة “النصر الأعظم هو ذلك الذي لا يتطلب قتالا” وبالتالي، يعلم جميع المتابعين أن ترامب أعطى سابقاً مهلة 45 يوم ليسمح لشركة مايكروسوفت الأميركية أن تتمكن من شراء TikTok وبسعر مقبول كما أن شركة أوراكل Oracle دخلت خط المفاوضات مع شركة “بايتدانس” ByteDanceالصينية والتي تملك “تيك توك” لنفس الهدف.
إذا الهدف الاساسي للرئيس الأميركي لم ولن يكن حظر أو إغلاق TikTok بل وضعه تحت السيطرة الأميركية إن عبر شركة مايكروسوفت أو أوراكل. وبعد انتهاء مهلة الـ 45 يوما قرر ترامب حظر TikTok لكن كيف؟
القرار الأميركي هو عبارة عن حظر تنزيل تطبيق “تيك توك” على جميع الهواتف التي تستخدم نظام Android و iOS الخاص ب iPhone. بعبارة أخرى، سيكون بإمكان مستخدمي TikTok الاستمرار في استخدامه حتى 12 تشرين الأول – نوفمبر الحالي على هواتفهم مما يعني أن ترامب ترك الباب مفتوحا أمام TikTok قبل أن يمنعها تماما من العمل على الأراضي الأميركية. لكن لن يتمكن أي مستخدم جديد من تنزيل البرنامج كما أنه لن يتمكن المستخدمين الحاليين من تحديث النسخة الحالية من TikTok.
ما الهدف من كل هذه المعارك التي تحصل؟
كما ذكرنا فإن للموضوع عدة خلفيات، فظاهر الموضوع تقني أمني أي أن ترامب صنّف خطر TikTok على أنه يمسّ بـ “الأمن القومي” مما جعل الموضوع غير قابل للنقاش لدى أي مرجعية قضائية. وسبب تصنيف ترامب للموضوع أنه يؤثر على الأمن القومي هو معركة تخزين البيانات التي تتصارع عليها الدول الكبرى كالولايات الأميركية، دول الإتحاد الأوروبي، الصين وغيرها. فجميع هذه الدول تسعى إلى تخزين معلومات الأفراد والمؤسسات ضمن الحدود التابعة لها وعدم السماح لأي دولة أخرى بالحصول على معلومات مواطنيها. فعلى سبيل المثال، فرضت دول الإتحاد الأوروبي على أهم شركات العالم من مايكروسوفت وغوغل وغيرها أن تخزّن جميع بيانات المستخدمين ضمن دول الاتحاد الأوروبي وعدم السماح بتخزين أي بيانات خارج الاتحاد تحت طائلة الملاحقة القانونية وعقوبات مالية كبيرة.
ويعود هذا الخوف من واقع أن دولة عظمى مثل الولايات المتحدة الأميركية، تستطيع طلب معلومات أي فرد أو مؤسسة من أي شركة أميركية تقوم بتخزين البيانات داخل الولايات المتحدة الأميركية تحت غطاء “الأمن القومي”.
لذلك فإن المعركة الأساسية بين ترامب وTikTok مرتبطة بعملية تخزين البيانات حيث أن ترامب متخوف من تخزين معلومات المستخدمين الأميركيين في مراكز بيانات في الصين ليتم فيما بعد استخدامهم من قبل المخابرات الصينية بعمليات أمنية ضد الولايات المتحدة الأميركية أو ربما مشاركة هذه المعلومات مع دول أخر كـروسيا وإيران وكوريا الشمالية.
المعركة الأخرى هي معركة اقتصادية، فالجميع يعلم بأن السوق الصيني هو من أهم الأسواق في العالم إذا أن عدد سكان الصين الحاليين تجاوز 1.4 مليار نسمة مما جعل من السوق الصيني هدف لجميع الشركات الأجنبية مثل فايسبوك وإنستغرام وغيرها، وفي هذا الإطار، أعرب آدم موسيري Adam Mosseri، رئيس تطبيق إنستغرام الذي تملكه فيسبوك عن مخاوف من أن تقوم الصين أو أي دول أخرى بإجراءات مماثلة أي أن تقوم بحجب فايسبوك وإنستغرام خاصة وأن معظم مستخدمي إنستغرام هم من خارج الولايات المتحدة الأميركية.
ما يميّز WeChat وTikTok إنه وبالإضافة إلى السوق الصيني الكبير، تمكنوا من اختراق السوق العالمي والاستحواذ على ملايين المستخدمين من خارج الصين مما زاد من قيمة هذه التطبيقات بشكل كبير وأصبحت هدفاً للرئيس الأميركي لجعل هذه الشركات تحت سيطرة الشركات الأميركية مما يساعدها على كسب أرباحاً طائلة من هذا الموضوع.
أما ما يميّز WeChat عن TikTok فهو ان WeChat هو تطبيق للدردشة والاتصالات بالصوت والفيديو ولديه أكثر من مليار مستخدم في العالم وهو قد حُجِبَ كليا ابتداء 20 أيلول الحالي والسبب الرئيسي في هذا الحجب هو أمني بامتياز إذ أن الإدارة الأميركية ترفض أن يكون هناك تطبيق يتم استخدمه في التواصل بين الافراد وخاصة داخل الولايات المتحدة الأميركية من دون أن يكون لديها القدرة على رصد المكالمات والرسائل وغيرها. وهنا نتذكر تطبيق BBM (BlackBerry Messenger) والذي تم حجبه أيضا في عدد من الدول العربية كون جميع المحادثات التي تحصل عليه مشفّرة ولم تكن الشركة الألمانية تشارك الجهات الحكومية بالمعلومات المطلوبة من قبلهم.
في الخلاصة، وفي ظل صراعات دولية، سياسية، اقتصادية، تقنية وأمنية، يبقى المستخدم ومعلوماته الأداة التي يتصارعون عليها ويبقى دائما أن نتذكر أنه إذا لم تكن تدفع ثمن الخدمة أو المُنتج الذي تستخدمه، تكون أنت (معلوماتك) هو المُنتج الذي تقوم ببيعه الشركات الكبرى.
رولان أبي نجم