انتخابات

هل التحالف الطائفي في لبنان قادر أو راغب في إعادة بناء الدولة؟

تتسع وتتفاقم على نطاق غير مسبوق حالة الفوضى والتسيّب والانهيار في مؤسّسات الدولة، وسط ازدياد الانقسام في صفوف القوى السياسية المهيمنة بسبب التناقض الموضوعي بين ادعاء كل من هذه القوى، أنه ينشد تحقيق “التوازن الطائفي” في بنية الحكم والدولة، لكن فوضى السنتين المنصرفتين وما قبلهما من سنوات عديدة بدت وكأنها حالة منظمة ومتفق ضمناً عليها بين القوى الطائفية المسيطرة، تسهيلاً لها على استمرار النهب لموارد الدولة حتى الإفلاس الكامل – وهذا الذي حصل – وتمكيناً لها في الوقت ذاته على إعادة إنتاج علاقة الاستتباع، التي تفرضها كل منها على جمهور الطوائف الخاصة بها.
هذا وقد واصلت القوى السياسية الطائفية المسيطرة إمعانها في تجاوز القوانين، في ظلّ غياب المحاسبة والمساءلة، ممّا أدّى إلى استعمال حالة النهب للمال العام، من قبل هذه القوى وإن بنسب وأشكال متفاوتة فيما بينها، وتحميل الفئات الشعبية تبعات خدمة الدين المتنامي باستمرار.
إن هذا الواقع المرير الذي عاشه ويعيشه الآن لبنان يفضح زيف الادعاءات المتعلّقة بشعارات “العودة إلى الدولة” أو “إعادة بناء الدولة” والغريب – العجيب في هذا الأمر أن من كانوا مسؤولين عن الخراب الذي أصاب لبنان دولةً ومجتمعاً، يأتون الآن “كتشكيلات سياسية طائفية” ويطرحون أنفسهم منقذين للوضع المأساوي – الكارثي، ورغبتهم في إعادة بناء الدولة… ولن تكون وجهتهم حتماً إلّا دولة المحاصصة الطبقية الطائفية.
وهنا نتساءل: هل يمكن للدولة الطائفية المنشودة من قبل هذا التحالف أن تكون دولة للرعاية والإنقاذ كما يزعمون؟ أولم تثبت التجارب المتكرّرة الفاشلة، التي تبنتها أطراف هذه التشكيلات الطائفية السياسية المهيمنة منذ الاستقلال وحتى اليوم فشل هذه الصيغة؟ أولم تفسد هذه الصيغة الإدارات والمؤسسات الرسمية والقضاء؟! أوليست هي المسؤولة عن عدم النهوض بالتعليم الرسمي، بمختلف مراحله (العام والمهني والجامعي)؟ وعن عدم ردم الفجوة بين المناطق اللبنانية في عمليات التنمية؟ أولم تكن هذه الدولة أي دولة التحالف الطبقي الطائفي – هي المسؤولة عن عدم توفير الحماية الاجتماعية للمواطنين؟! وممّا يؤكد هذا الفشل التاريخي لأطراف هذه السلطة، ما جرى في هذا العهد من عبثٍ وعدمية بالسياسة والاقتصاد وغياب المسؤولية الوطنية لدى كافة الأطراف، التي تناوبت على السلطة. أولم يدرك اللبنانيون بعد بأن مسألة إعادة بناء الدولة لم تكن ولن تكون مطروحة بشكل جدي على “أجندة” القوى السياسية المسيطرة؟! إلّا بالقدر الذي يتيح لها تقاسم النفوذ السياسي؟ والاقتصادي بما يخدم ويعزّز مصالحها المباشرة، والمصالح الاستراتيجية للقوى الإقليمية والدولية الراعية لها.
إذا كان هذا هو الخيار للقوى السياسية الطائفية – وهو كذلك – فالوضع في لبنان سيبقى معرضاً للأزمات، والانهيار الحالي الذي يشهده لبلد على كافة المستويات نموذج ممكن أن يكون الآتي أعظم!! ويهدد بالتالي الكيان والمجتمع بأسوأ الاحتمالات…
إذن ما العمل كي يخرج لبنان من محنته، ويخطو الخطوات الأولى باتجاه الحل؟
إنّه برأينا البديل الوطني الديمقراطي لهذا النظام الذي يؤمّن قيام الدولة الوطنية الديمقراطية.
إذا كان ذلك كذلك فما هي الخطوات التي تؤمن قيام هذه الدولة؟
الخطوة الأولى على طريق تأسيس البديل هي إجراء إصلاح جذري وعاجل في أسس هذا النظام من أجل وقف حرب التجويع، والتخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية عن كاهل الفئات الاجتماعية، التي صار معظمها تحت خط الفقر.
إن الانحياز للمشروع الوطني الديمقراطي، والنضال السلمي المتعدد الأشكال من أجل تحقيقه. يمهدان الطريق أمام لبنان للخروج من الأزمة الطاحنة والمتمادية، ومن التبعية للخارج، والسير به قدماً في وحدة مجتمع صلبة، ووحدة وطنٍ راسخة، تنهض به من الحطام المجتمعي الذي أوصلته إليه المحاصصة الطائفية وسياسة النهب والفساد الإداري والمالي، الذي قاده التحالف الطبقي الطائفي المقيت.
إن شروط قيام لبنان الجديد يتوقف على الالتزام بالديمقراطية والعلمنة وبالعروبة هويّة ومسؤولية.
وانتهاج طريق التطور الديمقراطي على مختلف الصعد سبيلاً لتجاوز النظام الطائفي ومغادرة المفاهيم البالية كمفاهيم “التوافق” و “التوازن” و “المشاركة” التي ضلّلت اللبنانيين، وكانت أداةً لخداعهم، كي يبقى النظام الطائفي مظلّة لأركانه الطوائفيين، كي يستمروا في النهب والفساد والإستئثار بالسلطة وتوريثها لأبنائهم، وتعميم الزبائنية في كل الحقول والمجالات، وكي يبقى لبنان متخبطاً في أزمات متلاحقة تسدّ عليه آفاق المستقبل المتعافي والمستقر.

رجا سعد الدين

كاتب وشاعر لبناني، يحمل شهادة الإجازة في التاريخ من الجامعة اللبنانية. له عدة مؤلفات في التاريخ السياسي والاجتماعي وديوان شعر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى