القطاع السياحي التقليدي يتهاوى.. ماذا عن المعالم الأثريّة؟

بعد أن كانت السّياحة تساهم بنحو 7% من النّاتج المحلي الإجمالي اللّبناني بشكل مباشر وبحوالي 12.4% بشكل غير مباشر، وبعد أن وصل عدد السّياح إلى مليوني سائح سنويّاً، ما يعني المساهمة بتأمين فرص عمل لحوالى 150000عامل، تراجعت الأرقام بسبب الأزمات المتتالية التي ضربت لبنان حتى بات القطاع يشكل نموذجاً حياً لما تعانيه البلاد من تدهور خطير عجزت كلّ المحاولات عن لجمه.

فهل سيكون القطاع السّياحي في لبنان قادراً على اكتساب مناعته مجدداً، خصوصاً وإن تم تسليط الضوء على كنوزه الأثرية والثقافية المختزنة؟

يمتاز لبنان بثقافته المتنوعة وملامحه الجغرافيّة الاستثنائيّة وتاريخه الغني الذي لطالما ارتكز عليه لتعزيز صورته السّياحية، وفيما يتم تسليط الضوء على بعض الأماكن السّياحيّة التي تستقطب السّياح اللّبنانيين والأجانب، يتم “هجر” عدد من المناطق السّياحيّة الجميلة والجاذبة ذات الأهميّة التّاريخيّة والعمرانيّة، التي تستحقّ الاهتمام والاسكتشاف، فهي دون أدنى شك قادرة على تأمين مردود لا بأس به للدولة اللّبنانيّة نظراً لأهميتها التّاريخيّة والعمرانيّة.

كنز أثري يختزنه لبنان

ومن كنوز لبنان المختزنة قلعة وادي الحجير التي بناها الفنان والمبدع البيروتي أحمد فتح الله بمفرده، فعند مدخل الوادي يستوقفك مشهد القلعة الرائع التي تعد من أهم قلاع جنوب لبنان المميزة بهندستها وتصميمها وموقعها.

كان فتح الله طالباً عندما رسم حلمه في مخيلته وقبل 10 سنوات حضّر كل شيء للبدء بمخططه، فبدأ العمل بيده مستخدماً الحجارة والطين حيث رسم مجسمات مختلفة تمثل الحياة القرويّة اللّبنانية القديمة.

وأنشأت القلعة على هندسة صينية ففي باحتها مقاعد حجرية نحتت بطريقة لافتة تأخذك إلى عمق الصين وتعود بك إلى البيت التّراثي القروي ذي البناء الحجري. أمّا في الدّاخل فتعرض لوحات أشبه بسيرة تاريخ قابع بين زمنين، زمن مات مع تلك الجثة التي تحتل وسط المكان، وسيرة حياة تنبض بها تلك اللّوحات المبعثرة في المكان بشكل عشوائي.

وأقام فتح الله داخل القلعة أيضاً منتجعاً سياحياً للعائلات وحديقة حيوانات وقسماً خاصاً بألعاب الأطفال، كما شيّد إلى جانبها مسجد “الإمام موسى الصدر” بطريقة فنية احترافيّة.

عتب على الدّولة

لا يوجد حدود لإبداع فتح الله الذي لم تفكّر الدّولة اللّبنانية أن تتبنى قلعته أو حتى تكرّمه، بل جعلت من فنه وإبداعه جثة مرمية وسط الظّروف.

أحمد فتح الله القادم من عالم الرّياضة يقول لـ”أحول” “منذ صغري والفنّ يطبع شخصيتي، وفي أيام المدرسة تميزت بين رفاقي بهوايات الرّسم والنّحت على الحجارة، فكان الفن يحاكي وجداني”. ويتابع “قبل 10 سنوات حققت حلمي بإنشاء قلعة وادي الحجير التي اتسمت بجذب السّياح وحبّهم لزيارتها، إلا أنّ الدّولة لم تولي أهميّة لها رغم المحاولات الحثيثة مع المعنيين لإدارجها على قائمة المعالم الأثرية في لبنان”.

لا يختلف واقع قلعة وادي الحجير عن واقع باقي الأماكن الأثرية المنسيّة من الدّولة اللّبنانية، فماذا لو أوْلتها أهمّية خاصة وشجعت على إدراجها ضمن سياحة التّراث الثّقافي؟.

أصول إقتصادية

الباحث الاقتصادي د. محمود جباعي يشير إلى أن “المعالم الأثرية ليست فقط جزءًا من تراث لبنان الثّقافي، بل هي أيضًا تمثل أصول اقتصادية هامة توفّر فرص عمل وتعمل على زيادة الدّخل كونها محركاً أساسيّاً للنّمو الاقتصادي”.

ويتابع “عمل هذا القطاع على مدى السّنين على خلق آلاف فرص العمل، وضخّ ملايين الدّولارات في الاقتصاد اللّبناني، ولكن بفعل الأزمة الاقتصاديّة وانهيار سعر صرف الليرة تراجعت كل القطاعات الاقتصاديّة، وفي مقدمتها القطاع السّياحي بسبب تدهور القدرة الشرائيّة للمواطنين المحلّيين، وبسبب جائحة كورونا وما رافقها من فترة إقفال عام، ما ساهم في تراجع النّمو الاقتصادي والنّاتج المحلي للبنان”.

ويلفت الجباعي إلى أنّ “الأماكن السّياحية المهملة والمهمّشة من قبل الدّولة اللّبناينة، والتي إن تم تسليط الضوء عليها قادرة على استقطاب الكثير من السّياح الأجانب والعرب وحتى المغتربين اللّبنانيين، لا بل وتنشيط السّياحة الدّاخليّة”. ويردف “اليوم ومع انهيار العملة الوطنيّة أصبحت تكاليف السّياحة بالنسبة للوافدين من الخارج منخفضة، وهذا عامل مهم لجذب السّياح خصوصاً إن قامت الدّولة بإعادة تأهيل المعالم الأثريّة، مثل قلعة وادي الحجير وغيرها من المعالم المهجورة”.

ويحثّ وزارة السّياحة على العودة إلى المعالم الأثريّة القديمة كونها تلعب دوراً مهماً في التّرويج للسّياحة وبالتالي رفع معدلات النمو الاقتصادي في لبنان.

ناديا الحلاق