طرقات لبنان مصيدة للنّاس والـ BOT حل منطقي
طرقات لبنان غير مؤهلة للقيادة لا بل أصبحت شبه منهية الصلاحية، فتغيب عنها أدنى معايير السّلامة المروريّة فتهدّد حياة سالكيها، وتحول السّيارات الى خردة متنقلة.
هكذا يمكن تلخيص حال طرقاتنا، فهشاشة البنى التحتية وغياب أيّ صيانة أو تدابير وقائية من قبل الدّولة، تسبّب بإلحاق أضرار فادحة بالسيارت وحوادث سير وموت متنقل على الطّرقات في كل المحافظات.
للأسف فإن مسؤولي الدولة ينظرون الى هذه المآسي على أنها مجرد أقدار أحاطت بأصحابها وليست نتيجة سياسات “إستهتاريّة” وسوء تنفيذ وعدم القيام بالاصلاحات والصيانة الدورية الضرورية، ومع كل حادث ومأساة تسارع وزارة الأشغال العامّة إلى إصدار التّعاميم لفرق الصّيانة، كي تكون على جهوزيّة تامّة وتهتمّ بتوفير معايير الأمن والسّلامة للسّيّارات، ويكون المحافظون والقائمقامون قد أصدروا بدورهم تعاميم للبلديّات لإصلاح الطّرقات الغير المؤهلة، لتبقى كلّ هذه الإجراءات بلا جدوى رغم أنّ الدّولة قد صرفت مليارات الدولارات على مشاريع البنى التّحتية، وجمعت الملايين من محاضر ضبط مخالفات السّير ورسوم الميكانيك التي من المفترض أن تخصّص من أجل إصلاح الطّرقات وتأمين سلامة السّائقين.
وللدّلالة على هذا الواقع المأساوي للطّرقات، نقل “أحوال” معاناة بعض المواطنين، حيث اشتكى خالد من دفع 380 دولار أميركي ثمناً لعجلات سيارته التي تمزقت من جرّاء حفرة ضمن نطاق بلديّة حارة صيدا في الجنوب، ويؤكد خالد أن “ثمن العجلات يوازي راتب شهر ونصف الشّهر، وكأن المواطن اللّبناني تنقصه هذه الضّربات غير المتوقعة”.
أما جيهان فتشتكي من عتمة نفق المطار “التي تسببت لي بحادث سير كاد أن يودي بحياتي بعد تضرر سيارتي بشكل كبير جداً”.
مصدر في وزارة الأشغال والنّقل يشكو لـ “أحوال” عدم وجود “مخصّصات ماليّة لصيانة وتأهيل شبكات الطّرق، فيما تئنّ البلديّات من أوضاعها المزرية وعجز صناديقها، أما المتعهدون فيعلّقون التزامهم بالمشاريع حتى إشعار آخر، مع استمرار الدفع بالليرة الفاقدة لقيمتها”.
وبالرغم من المحاولات الحثيثة للمعنيين بالقطاع المروري، وسعيهم للحد من الحوادث المروريّة والتّخفيف من وطأة آثارها لا تزال نسبة هذه الحوادث والأضرار النّاجمة عنها ماديّاً وجسديّاً تشكّل هاجساً في ظلّ غياب خطط ومشاريع الدّولة الهادفة إلى صيانة وتأهيل الطّرقات.
الخبير في إدارة السّلامة المروريّة كامل إبراهيم يشير إلى أنّ “الطّرقات اللّبنانيّة غير مؤهلة وغير صالحة للقيادة، وليست بمستوى المواصفات الدولية وهي بحاجة إلى إعادة تأهيل”.
ويوضح أنّ “الأزمة الاقتصاديّة في لبنان أثّرت بشكل كبير على السّلامة المروريّة، لاسيما بعد غياب خطط تجهيز وصيانة الطّرقات، وانعدام الإنارة في الأنفاق، وتعطّل إشارات المرور”. ويختم إبراهيم “كل ذلك أدّى إلى إلحاق الأضرار الفادحة بالسّيارات وزيادة الحوادث المروريّة وإزهاق أرواح النّاس ومضاعفة كلفة الفاتورة على كاهل المواطن”.
وفي الإطار نفسه يوضح مصدر أمني مطّلع على ملف السّلامة المروريّة أن “شبكة الطّرقات في لبنان من ضمن مسؤوليّات وزارة الأشغال العامّة والنّقل فيما يخص نطاق الطّرقات الدّولية، أمّا بالنّسبة للمناطق فهي من مسؤوليّة البلديّات كلّ ضمن نطاقها، فيما تقع على مجلس الإنماء والإعمار المسؤوليّة الأصغر باعتباره مجرد وسيط”.
ويلفت المصدر إلى أنّ “مجلس الانماء ومنذ إنشائه خلال العام 1990، كان موازياً لوزارة الأشغال العامّة لا بل وحلّ مكانها في كثير من الأحيان، وبالتالي أضحت مشكلة صلاحيات متنازعٌ عليها بين وزارة الأشغال ومجلس الإنماء والإعمار ما عطّل العديد من الخطط الإصلاحيّة والإنمائيّة لشبكة الطّرقات”.
ويضيف المصدر “اليوم انعكست الأزمة الاقتصادية وانهيار العملة الوطنية سلباً على التّجهيزات والأعمال المتعلّقة بالسّلامة المروريّة حيث أصبح لدى الوزارة والبلديّات حجّة عدم القيام بواجباتها، كما وضعت الأزمة شبكة طرقات لبنان في مصاف الدّول المتخلفة، بعد أن وصلت أوضاع المؤسسات والادارات الحكوميّة إلى أدنى مستوياتها”.
وأبدى خشيته من “ارتفاع معدلات حوادث السّير وزيادة نتائجها السّلبية في الفترة المقبلة في ظلّ عدم معالجة الأسباب وراء ذلك، ونتيجة تقصير الدّولة الفاضح وعدم وضوح رؤيتها فيما يخصّ شبكة الطّرقات”.
ويقترح المصدر “تلزيم الطرقات والصيانة على طريقة الـ BOT، ويُعتبر هذا النّظام من الوسائل المناسبة لتمويل مشاريع البنيّة الأساسيّة بدون المساس بموازنّة الدولّة، إذ يحصل المتعهّد على التّكاليف والأرباح من خلال الرّسوم والعوائد التي يقوم بدفعها مستخدمي المشروع”.
ويختم “في الوقت الحالي يغيب ملفّ تأهيل الطّرقات وصيانتها عن اهتمامات الحكومة، إلّا إذا حصل لبنان على هبات دوليّة في هذا الاطار”.