ليست المرّة الأولى التي يتعرض فيها الأستاذ المتفرغ في كلية الآداب – اللغة العربية (الفرع الخامس) في الجامعة اللّبنانية في مدينة صيدا البروفسور أنور الموسى للاعتداء والضرب المبرح، وهذا تأكيد على أن مفردة “الفساد” ما عادت تقتصر على أهل السلطة فحسب، ذلك أن ثمّة “فسادًا تربويًا” أيضا، وهذا الفساد إن لم يتم تداركه بسرعة فسيترك تبعاته على الأجيال الطالعة، وسيتخرج طلابنا حاملين معهم كل هذا الإرث الفضائحي وهو يطاول منظومة المناقب والقيم المجتمعية والأخلاقية والتربوية.
ما حدث للبروفسور الموسى لا يمكن اعتباره تفصيلاً بسيطاً، خصوصًا وأنّ هذا الاعتداء الثاني الذي يتعرّض له في عام دراسي واحد! فيما سياسة “البلطجة” شرّعت للمعتدين تكرار فعلتهم، فيما كان من المفترض إحالتهم لمجالس تأديبية تمهيدًا للمحاكمة وإن اقتضى الأمر حرمانهم من حقوقهم المدنية، وإلّا فسيكون ثمّة أكثر من أستاذ يُعتدى عليه وبذلك يكون لبنان قد فقد البنيان الأساس الذي يكرّس معنى وقيمة المواطنة الحقيقية، أي الجامعة الوطنية، هذا الصرح الشامخ الذي يُراد له أنّ يكون على صورة السلطة بفسادها ومحاصصاتها وسائر موبقاتها وزبائنيتها.
تحريض واعتداء
بدايةً، الأخطر في هذا الأمر، أن الاعتداء حصل من قبل شخص ينتمي إلى القوى الأمنية المؤتمنة على حماية المواطنين لا الاعتداء عليهم، وداخل صرح الجامعة، ودون أي محاسبة ولمرتين متتاليتين بحق مربٍّ وأستاذ متفرغ، ما يعتبر ضربًا لكافة القيم الأخلاقية والانسانية واستهتارًا بقيمة المعلم والجامعة الوطنية.
أمام هذا التعدي الموصوف التقى “أحوال” البروفسور الموسى وهو يتلقى العلاج في مستشفى جبل عامل في مدينة صور، فأشار إلى أنه “كانت هناك مناقشة لرسالة دكتوراه لأحد الطلبة في معهد الدكتوراه في سن الفيل وبحضور رئيسة القسم في الجامعة الدكتورة تغريد الطويل ولدى مغادرتي القاعة استوقفني زوجها مع سائقه، بتحريض من الطويل وقاما بالاعتداء عليّ ضربًا مبرحًا”.
وتابع الموسى “انهال عليَّ الرجلان بالضرب على عينيّ وأذنيّ ومناطق حساسة من جسمي، حتى حضور اثنين من حرس الجامعة، لأتمكن بعدها من الإفلات منهما، محاولًا الإنتقال إلى باحة الجامعة لكنّني وقعت وسط ألم الكدمات والضربات التي تلقيتها”.
شريعة الغاب
ونقل الصليب الأحمر اللّبناني البروفسور الموسى إلى المستشفى، وهو الآن يتلقى العلاج، وقد حضرت عناصر من قوى الأمن الداخلي وأجرت تحقيقاً في الحادث.
والجدير ذكره أن الموسى أشار إلى أنه يتعرَّض للمرة الثانية لاعتداء “بتحريض من الدكتورة إيّاها بعدما اعتدى عليّ سابقاً زميل له هو الدكتور حامد حامد وفي حرم الفرع الخامس للجامعة اللّبنانية في كلية الآداب بصيدا بتاريخ 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وضربني بشكل مبرح مع شتائم، وعلى مرأى ومسمع الطلاب”.
وكما حصل في المرّة الأولى، لم تحرك إدارة الجامعة ساكناً، فيما الاعتداء الأخير حصل في حرم الجامعة في سن الفيل، وبالتحديد قرب موقف العميد مباشرة وتحت راية الجامعة، بحسب الموسى، مضيفا: “تعرضت لتهديدات خطيرة و(أفلام أمنية مفبركة) منذ الاعتداء الأول، مع تركيب صور إباحية لطالبات من الشهود، وقد تقدّمت بشكاوى للنيابة العامة، أتبعتها بشكوى لوزارة التربية والتعليم العالي بعد الاعتداء الأوّل”.
وأضاف: “لا يجوز لصرح تربوي أن يتعامل وسط شريعة الغاب”، ورأى أن “المحاسبة والعدالة هما أساس بناء الأوطان، ونظرا لعدم وجود محاسبة والكيل بمكيالين فقد تدمّر وانهار هذا البلد، والمفترض أن يكون الجميع سواسية أمام القانون بلا تمييز، وإذا كان الشخص مستقلًا ومسالماً لا يجوز التنكيل به”.
وتمنّى الموسى “من وزارة الداخلية ومدير عام الأمن العام اللّواء عباس ابراهيم التدخل، كون الضابط ينتمي للأمن العام، ومحاسبة سائقه، وعدم فرز السائقين لزوجات الضباط، واستغلالهم للاعتداء على الزملاء، وعلى الأحزاب التوقف عن الدعم الأعمى ومحاسبة أتباعها”، ورأى أنّه “بسبب عدم معاقبة الجامعة للمعتدين تكرّر هذا الأمر”، وأسف أن “يحصل ذلك في الجامعة اللّبنانية”.
وأشار الموسى إلى أنه ينتظر “تقرير المستشفى والأطباء من اختصاصات العيون والرأس والصدر والعظام لتضمينه في الشكوى الجديدة”.
رابطة الأساتذة المتفرغين
وفي السياق عينه، قال رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللّبنانية يوسف ضاهر في بيان: “باسم اساتذة الجامعة اللّبنانية والتزامًا بشرعة حقوق الانسان وشرعة التعليم العالي واحترامًا للكرامة الإنسانية ولروح الزمالة الجامعية، يستنكر رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللّبنانية الاعتداء الذي تعرّض له الزميل في كلية الآداب د. أنور الموسى، ويعتبر رئيس الهيئة أنّ لغة الضرب والاعتداء الجسدي هي لغة الوحوش وليست لغة البشر وبخاصة بحق أساتذة جامعيين، كما يدعو رئيس هيئة القضاء إلى تحمّل مسؤولياته وإجراء التحقيق اللّازم وإظهار حقيقة ما حدث وإنزال العقوبة بالمعتدين، وبكلّ من يظهره التحقيق مرتكبًا أيّ جرم يخلّ بالنظام الداخلي للجامعة وبالقوانين العامة التي تضمن حقوق وحرية المواطنين، كما يدعو الجامعة إلى تطبيق ما تقتضيه قوانينها في حالات كهذه لإحقاق الحق ولمنع تكرار أي أعمال عنفية بحق أهل الجامعة”.
بطاقة تعريف
والبروفسور أنور الموسى حائز على خمس إجازات جامعية في اللّغة العربية، الصحافة، علم النفس، الإعلام المرئي والمسموع والتربية، فضلًا عن دكتوراه دولة، ومؤلفاته تربو على الـ 30 كتابًا، في اللّغة العربية والإعلام والدراسات وغيرها.
ووفقًا للمعلومات، فقد كان وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال طارق المجذوب بصدد إجراء تحقيق في هذه الحادثة، ولكنّ استقالة الحكومة والأوضاع الراهنة، حالت دون المضي في هذا الأمر، على أمل المتابعة من قبل المجذوب أو خلفه لهذه القضية، إن كُتب للحكومة الجديدة أن تبصر النور، مع أنّه كما أشارت المصادر تحرّك المجذوب لإحقاق الحق كون الاعتداء شكّل إهانة له، كما على إدارة الجامعة اللّبنانية التحقيق في هذا الأمر، خصوصًا وأنّه قد تكرّر، وعلى الجهات المعنية في قوى الأمن العام إجراء التحقيقات اللّازمة.
سوزان أبو سعيد ضو