صحة

لبنان مهدّد بخسارة حصته من لقاحات كورونا… اليوم المهلة الأخيرة للالتزام بالدفع

تلقيح 20% فقط من السكان في الفترة الأولى

في عالم مثقل بالتمييز المناطقي والطبقي والاتني والجنسي، حلت جائحة “كورونا” العابرة للاعراق والاديان والالوان مرفقة بسرعة انتشار وتداعيات خطيرة الى حد الموت. فهي تكاد توحّد قسماً كبيراً من الدول والنظمات وتضافر جهودها بحثاً عن لقاح في إطار مبادرة كوفاكس COVAX .

واليوم 18 ايلول 2020 الموعد النهائي لتوقيع الدول على عقد ملزم للدفع على ان تسدّد دفعة أولى مسبقة في موعد أقصاه 9 تشرين الاول المقبل. لذا لبنان الذي انضم الى الاتفاقية أمام اشكالية كبرى قد تفقده حصته من اللقاحات، اذا لا يمكن لحكومة تصريف اعمال ان تلتزم بالدفع.

ما هي COVAX ؟

كوفاكس مبادرة تم إطلاقها في حزيران الماضي، وهي عبارة عن آلية للشراء المجمّع للقاحات المضادة لكورونا. يتولى تنسيقها التحالف العالمي من أجل اللقاحات والتمنيع GAVI، وتلعب منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” دوراً اساسياً فيها.

بحسب منظمة الصحة العالمية، ستحقق كوفاكس ذلك من خلال تجميع القوة الشرائية للاقتصادات المشاركة فيها وتقديم ضمانات حجم الطلب بالنسبة لمجموعة من اللقاحات المرشّحة الواعدة، مما يتيح لمصنّعي اللقاحات – الذين تعد خبرتهم ضرورية لإنتاج اللقاحات الجديدة على نطاق واسع – القيام باستثمارات مبكّرة معرّضة للمخاطر في قدرات التصنيع، وبالتالي توفير أفضل الفرص للبلدان والاقتصادات المشاركة للحصول سريعاً على الجرعات اللازمة من اللقاح.

Photo Credit: SILVIO AVILA / AFP

أهداف COVAX

تهدف المبادرة إلى السيطرة على الجائحة من خلال الإتاحة المنصفة للقاحات آمنة وفعالة وبأسعار معقولة لكل بلد مشارك باستخدام إطار للتخصيص تعكف على إعداده منظمة الصحة العالمية، وكذلك الى ضمان التوزيع العالمي العادل لملياري جرعة من اللقاحات الفعالة بحلول نهاية عام 2021 بعيداً عن احتكارها من أصحاب النفوذ والمال اكانوا دولا او شركات وعن سعيهم لإبرام صفقاتهم الخاصة لتأمين الجرعات.

تضمّ مبادرة كوفاكس أكبر محفظة من اللقاحات المضادة لجائحة كورونا وأكثرها تنوعاً في العالم:
* تسعة لقاحات مرشحة للاعتماد وبلغ عدد منها مرحلة التجارب السريرية مدعومة من الائتلاف المعني بابتكارات التأهب لمواجهة الأوبئة CEPI.
* تسعة لقاحات مرشحة أخرى في طور التقييم.
كما يتم التواصل مع باحثين لا يتلقون حالياً أي تمويل لأنشطتهم المتعلقة بإكتشاف لقاح.

القائمة الكاملة باللقاحات المرشحة:

المرحلة المبتكر اللقاح
المرحلة الأولى/ الثانية الولايات المتحدة الأمريكية لقاح إينوفيو
المرحلة الثالثة الولايات المتحدة الأمريكية لقاح موديرنا
المرحلة الأولى ألمانيا لقاح كيورفاك
مرحلة ما قبل التجارب السريرية معهد باستور/ ميرك/ ثيميس، فرنسا/ الولايات المتحدة الأمريكية/ النمسا اللقاح المشترك
المرحلة الثالثة جامعة أكسفورد لقاح أسترازينيكا
مرحلة ما قبل التجارب السريرية الصين لقاح جامعة هونغ كونغ
المرحلة الأولى/ الثانية الولايات المتحدة الأميركية لقاح نوفافاكس
المرحلة الأولى الصين لقاح كلوفر بيوفارماسيوتيكلز
المرحلة الأولى مختبرات سي أس إل، أستراليا لقاح جامعة كوينزلاند

نموذج التمويل الجماعي

تعتمد كوفاكس – التي يتولى تنسيقها “التحالف العالمي من أجل اللقاحات والتمنيع” GAVI – على نموذج التمويل الجماعي لسد الفجوات الرئيسية في تمويل أنشطة البحث والتطوير.

وقد أعرب حتى الآن 80 بلداً من البلدان المرتفعة الدخل – التي من شأنها تمويل أنشطتها المتعلقة باللقاحات من موازناتها العامة – عن اهتمامها بالانضمام إلى المبادرة. ستشترك هذه البلدان مع 92 بلداً من البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط التي ستحصل على الدعم، وتمثل هذه المجموعة المؤلفة من 172 بلدا أكثر من 70% من سكان العالم.

لذا دعت منظمة “الصحة” العالمية كل دول العالم للانضمام الى المبادرة بغرض التوزيع العادل للقاح. وفي هذا الاطار، اعلنت رئيسة المفوضية الاوروبية أورسولا فون دير لايين عن مُساهمة قدرها 400 مليون يورو لمصلحة مبادرة كوفاكس بهدف الحصول على لقاحات مُستقبلية لمصلحة الدول ذات الدخل المُنخفض والمتوسط.

لبنان عاجز عن الإلتزام ويستمهل

أسف عضو اللجنة العلمية لمتابعة إجراءات “كورونا” الدكتور عبد الرحمن البزري أن لبنان من مجموعة الدولة الثمانين وهو مصنّف دولة وسطى مرتفعة الدخل رغم الإنهيار المالي والإقتصادي لأن البنك الدولي لم يعد تصنيفه بعد.

كما أوضح لـ “أحوال” أنه تم التواصل مع كوفاكس عبر منظمة الصحة العلمية، وجرى الإتفاق على مذكّرة تفاهم غير ملزمة memorandum of understanding تطالب بأن يكون لبنان من الدول التي تحصل على اللقاحات مبكراً.

أردف: “كنا أمام طرحين: الخيار الاول أن تختار كوفاكس اللقاح. أما الخيار الثاني، فأن نختار نحن اللقاح وبإمكان لبنان الانسحاب متى وجد عروضاً افضل”.

كذلك، أشار الى انه في حال توفر اللقاح فسيشمل وفق مبادرة كوفاكس في الفترة الاولى فقط 20% من عدد اللبنانيين واذا كان اللقاح جرعتين اي نحو مليوني جرعة، وأوضح: “يحظر حصول البلدان على لقاحات لأكثر من 20 % من سكانها حتى تتلقى البلدان المشاركة الأخرى نفس النسبة من الجرعات أو نصيبها المطلوب إذا كان أقل”.

ورداً على سؤال عن هل أن اللاجئين السوريين والفلسطينيين الذين يقارب عددهم المليونين محسوبون من ضمن الحصة؟ أجاب: “كلا، ولكن سنسعى للاستفادة من وجود النازحين لنحصل على سعر منخفض. تلقيحهم جزء من الامن الصحي في لبنان. نحن كنا اعتمدنا على هذه السياسة عبر تلقيح الاطفال السوريين والفلسطينيين كاللبنانين وبالتالي حمينا المجتمع اللبناني من اي وباء. فمنذ دخول النازحين السوريين الى لبنان، اصبح بامكاننا التعاطي مع منظمة GAVI التي هي على صلة بمبادرة كوفاكس عبر تأمين لقاحات إما مجاناً او مدعومة. كانت تجربة جدية معها من خلال اليونسيف عبر تلقيح الاطفال السوريين واستفاد من ذلك بنسبة كبيرة الاطفال اللبنانيين”.

اليوم 18 أيلول 2020 هو آخر مهلة كي توقع الدول على عقد ملزم للدفع على ان تسدّد دفعة أولى مسبقة في موعد أقصاه 9 تشرين الاول المقبل، إلا أن لبنان عاجز عن الالتزام.
يعرض البزري للمشكلة: “بما أن الحكومة تصرّف الاعمال، وبما أن الاموال التي تسعى للحصول عليها هي من البنك الدولي أي تعتبر قرضاً وبالتالي القرض بحاجة الى قرار مجلس الوزراء، هناك صعوبة لتأمين الاموال رغم مساعي وزارة الصحة لتأمينهم من الاموال الموجودة – وذلك نظراً لخصوصية الوضع الذي يعيشه لبنان من انهيار مالي واقتصادي وانتفاضة 17 تشرين العظيمة والانفجار في بيروت في 4 آب الماضي وصولاً الى استقالة الحكومة. لذلك أرسل لبنان مذكّرة لكوفاكس لإستمهال الدفع بانتظر إيجاد صيغة دستورية لإمكان عقد إتفاق مالي معها لدفع جزء من قيمة اللقاحات”.

يضيف: “أهمية كوفاكس انها تعطي لبنان فرصة مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والمانيا وغيرها من الدول المتطورة للحصول على كمية من اللقاحات بفترة مبكرة. هذا لا يمنع من استيراد القطاع الخاص للقاحات ايضا”.

مرجع دستوي يؤكد لـ”أحوال” أنه “لا يجوز التذرع بتصريف الاعمال، فالاجتهاد واضح من قبل المجلس الدستوري ومجلس شورى الدولة وهيئة التشريع والاستشارات حيث يمكن للحكومة الاجتماع واتخاذ قرارات بشأن الامور الملحة التي لا تحتمل التأجيل نظراً لما يترتب من نتائج”.

الرهان الصحي على 3 امور

أمل البزري ان يكون رد كوفاكس ايجابيا وأن يأخروا للبنان الإلتزام باستحقاق الدفع، مشيراً الى ان الرهان الصحي على 3 امور:
1- ان نستطيع تأمين كمية من اللقاحات عبر كوفاكس.
2- ان نبحث عن مصادر اخرى، فهناك دول كروسيا والصين غير المنضوية في المبادرة قد يكون لديها لقاحات.
3- هناك شركات كبرى كفايزر Pfizer اعلنت انها مستعددة لتخصيص كمية من اللقاح الذي تعمل عليه للبنان.

تابع: “حين يتوفر اللقاح، تصبح الكرة بيد لبنان لاختيار اولوية اعطائه لمن، وبالطبع يجب ان يكون اولاً القطاع الصحي ومن ثم المسنين”.

ورداً على سؤال عن التخوف من المحسوبيات في التوزيع، أجاب: “نحن كخبراء متطوعين مجاناً نساعد الدولة من منطلق انساني ووطني، ولنكن منصفين ونعطي الوزارة حقها فهي تتعاون مع توصياتنا بشكل ايجابي. لقد رفعنا توصياتنا في كيفية توزيع هذه اللقاحات بناء على طلب الوزير حمد حسن. الاولوية للقطاع الصحي، ثم المسنين، بعدها الامراض المزمنة ونقص المناعة”.

تابع: “نحن نشجع كل من يستطيع إستقدام اللقاح من دون المرور بالدولة لأنه يوفّر عليها مادياً ويسهّل الإسراع في إعطاء اللقاح. كذلك، من مصلحة الشركات التي ستكون وكيلة للقاح إستقدامه لأنه سيكون مطلوباً ومرغوباً. الأمر اليوم متوقّف عند نجاح اللقاحات التي يعمل عليها”.

مصير اللقاح ونجاح التجارب السريرية

كل التوقعات بولادة اللقاح مرتبطة إلى حد بعيد بأمور عدة منها: نجاح التجارب السريرية، إبرام اتفاقات للشراء المسبق، تأكيد التمويل وتبسيط الأمور التنظيمية وطرق التسجيل. من هنا تكمن أهمية التعاون العالمي الجماعي العابر للحدود وتخطي الحسابات القومية والمحلية الضيقة، فوحده توحيد الجهود يخدم المصلحة الوطنية لكل بلد.

لكن الخلاصة، عالمياً علينا التأقلم مع نمط عيش جديد لأن كورونا لن يرحل عنا في المدى القريب، ففي أحسن الاحوال سيحصل 20% فقط من سكان البلدان المشاركة في مبادرة كوفاكس على اللقاح. أما لبنانيأ، فعند الصعاب يمتحن رجال الدولة، لذا على السلطة الحاكمة عدم التهرب من مسؤولياتها وتأمين المخرج القانوني لضمان توقيع لبنان على التزام بالدفع مع كوفاكس وتوفير المال لذلك بهدف تحصين الامن الصحي المترنّح.

جورج العاقوري

 

 

جورج العاقوري

صحافي ومعّد برامج سياسية ونشرات اخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى