ولادة أحزاب وتكوين ائتلافات.. حراكٌ سياسيٌ جديد تشهده “قوى 17 تشرين”
تشهد بيروت في الآونة الأخيرة حراك مختلف عمّا شاهدناه منذ 17 تشرين الأول الماضي، فمن يُتابع تحرّكات المجموعات والقوى التي اصطلح على تسميتها بـ”المجتمع المدني”، يُلاحظ كثرة الدعوات والتحضيرات الى مؤتمرات على قاعدة “ضرورة لمّ الشمل وتوحيد الصفوف وخلق الائتلافات الكبيرة”، بغيّة تبنّي خريطة طريق موحّدة للأزمة السياسية والاقتصادية والمالية التي يعيشها لبنان.
هكذا، جمعت إحدى قاعات “سمول فيل أوتيل” في بدارو، الأربعاء الماضي، حوالي 120 شخصًا في اجتماع تحضيري لمؤتمر يحمل اسم “المؤتمر الوطني للإنقاذ” سيُعقد في 10 تشرين الأول المقبل، وذلك بعد أشهر من التنسيق عبر مجموعات الواتساب تحت عنوان “تعاون – تواصل”. ومن المقرر توجيه دعوات لجميع القوى المعارضة، بالإضافة الى الفعاليات الاقتصادية والنقابية والعمالية والمهنية على أنواعها، على أن يتضمّن المؤتمر 5 محاور، تحت العناوين التالية: سياسي، اقتصادي، مالي ونقدي، تشريعي وقانوني، وتنظيمي للحراك.
اللافت أن هذا المؤتمر ليس يتيم، فقد سبقه مبادرة “المبادرة – درابزين” لتصبّ في الهدف والغاية ذاتها، بالإضافة الى الحراك الذي شهدته مدينة جبيل والذي استضاف عشرات الناشطين، والهدف دائماً توحيد الصفوف.
مجموعات أخرى، فضّلت خلع القفازات “المدنية” واتخاذ خطوات أكثر جرأة، عبر السعي لإطلاق حزب سياسي يحمل مشروعاً تغييرياً متكاملاً ويُحدد رؤيته لمختلف الملفات بكل صراحة ووضوح، حتّى تلك المتعلّقة بقضايا حسّاسة كطرح الحياد وسلاح “حزب الله” والعلاقة مع الدول العربية، وهذا ما تسعى اليه مجموعة “مسيرة وطن” التي تضم 11 عضواً من بينهم الدكتورة حليمة قعقور والإعلامي هشام حداد والناشطة السياسية زينة الحلو والمرشح السابق لفرعية طرابلس يحيى مولود والناشطة السياسية دارين دندشلي، الى جانب حزب آخر قيد التكوين يحمل اسم “التقدم” ويضم الناشط مارك ضو والدكتورة نجاة صليبا والناشطة لوري هايتنيان والناشط جاد شعبان وغيرهم.
مصادر مواكبة لهذا الحراك الجديد، تقول في حديث لـ”أحوال ميديا”، إن “هذه المحاولات تعكس نضجاً سياسياً مختلفاً عمّا شاهدنا سابقاً، فالمطلوب اليوم هو تقديم بديل سياسي للناس”، مضيفة: “رغم أهمية التحركات الاحتجاجية والاعتصامات واقتحام الوزارات، إلا أن المرحلة المقبلة تتطلب نوعاً آخر من المواجهة”.
المصادر نفسها أشارت إلى أن تشكيل ائتلافات كبيرة وأحزاب سياسية يساعد على فتح حوار جدّي بين جميع القوى التغييرية تمهيداً للتحضير للانتخابات النيابية المقبلة، إلا أنه ثمة ثغرة أساسية في طبيعة اللقاءات والاجتماعات التي تُعقد، بحيث تُشارك المجموعة الواحدة في ائتلافات مختلفة فيصعب معها وضع خارطة واسعة لتوزع وحجم هذه التحالفات.
من جهة أخرى، تعتبر المصادر أن عقبات ومطبّات عديدة ومتنوعة تواجه هذه المحاولات، فرغم القواسم المشتركة الكثيرة، إلا أن الاختلافات جوهرية، ليس فقط في الملفات السياسية وإنما كذلك في الطروحات الاقتصادية، خصوصًا أن ثوابت رفض السلطة الحالية وضرورة طرح البديل لا يعني بالضرورة الاتفاق على الموقف من السياسات المالية لحاكم مصرف لبنان، ولا تعني الاتفاق على المطالبة بشكل القانون الانتخابي في حل طرح تغيير القانون الحالي، وفقًا للمصادر.
وفي هذا الصدد، يلفت المحامي شريف سليمان، وهو أحد منظمي “المؤتمر الوطني للإنقاذ”، إلى أن الاستراتيجية التي ستُعتمد في المؤتمر مختلفة جذرياً عن المقاربات السابقة التي كانت تحصل في الاجتماعات السابقة، مشيرًا إلى أنه في السابق كان هدف أي لقاء هو توحيد المجموعات وقوى الثورة، في حين أن الغاية اليوم تقوم على دعوة هذه القوى لوضع اطروحتها السياسية بنفسها.
من هنا، وحول ما إذا كانت هذه الائتلافات ستتمكن من اتخاذ موقف واضح من القضايا الاستراتيجية المذكورة أعلاه، قال سليمان: “المؤتمرون سيحددون خياراتهم من خلال الوصول لأرضية مشتركة يتم على أساسها تبنّي موقف واضح من هذه القضايا، وفي حال تعذّر ذلك فإن كل النقاط الخلافية تبقى محور للنقاش المفتوح”.
في المقابل، ثمّة سؤال محوري: “هل حل الأزمة اللبنانية يكون عبر بناء أحزاب وائتلافات جديدة؟ أم أن هذه الازمة أعمق من ذلك وتتداخل فيها المعطيات الداخلية والخارجية، وبالتالي يصبح بناء هذه المعارضة نوع من الترف السياسي؟”.
الصحافي جاد غضن يرى في حديث لـ”أحوال” أن هناك حاجة ضرورية لتشكيل أحزاب جديدة، ولكن دون أن نكون أمام مشهد مراكمة ائتلافات وأحزاب إضافية الى جانب الأحزاب الموجودة دون غاية سياسية واضحة.
وينطلق غصن من مقاربته بالاستناد الى تجربة “كلنا وطني” التي افتقدت لرؤية واضحة وشاملة، حيث سعت الى تجميع مجموعات مبعثرة بغية الظهور بصورة موحدة، ولكن دون وجود برنامج أو مشروع، وهذا ما ساهم بغياب دورهم فور انتهاء الانتخابات النيابية. ووفقاً لغصن، “فنحن بحاجة لحركات سياسية تنقض بالشكل والمضمون ما نعرفه من أحزاب، وأن تقارب أصل الأزمة وفقاً لرؤيتها وتطلّعاتها، لكي تطلب ولاء الناس بناءً على مشروع سياسي يمنحها شرعيتها”.
مهدي كريّم