الاستثمار اللبناني “يشد الرحال” نحو دبي… لبنان فقد دوره
بدأ عدد من رجال الأعمال والمستثمرين اللّبنانيين التوجه نحو دبي، بعد أن سادت علامات الضّيق على وجه السّوق المالي اللّبناني بفعل أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخ البلاد، ما أدّى إلى تضرّر عدد كبير منهم في مجال الاستثمار المحلّي.
وأتت التّحفيزات الأخيرة التي قدمتها إمارة دبي بخفض الحدّ الأدنى للاستثمار، فرصة لهم لبدء مشاريعهم الجديدة في بيئة عمل إيجابيّة، إذ أصبح بإمكان المستثمر العقاري الذي يملك عقاراً في دبي بقيمة 750 ألف درهم أو أكثر، الحصول على إقامة مستثمر لمدة 3 سنوات قابلة للتّجديد مع كفالة الزوج أو الزوجة والأولاد طبقاً لقرار اتخذته دائرة الأراضي والأملاك، بعد أن كانت الإقامة العقارية لمدة 3 سنوات تمنح في السّابق شرط أن تكون قيمة العقار مليون درهم وأكثر.
البحث عن فرص آمنة
لؤي، يملك سلسلة مطاعم في لبنان، يؤكد لـ “أحوال” عزمه على “الانتقال نحو دبي” بعد أن قضت الأزمات اللّبنانية المتتالية على آخر آماله في حياة آمنة ومزدهرة.
ويبحث لؤي عن شقة سكنية لشرائها والاستقرار مع عائلته، حيث أنّ الدولة هناك تعمل على إزالة جميع العوائق أمام المستثمرين في حال الحصول على أراضٍ أو عقارات.
ويقول لؤي “سأقوم بإنشاء مطعم خاص، فقطاع المطاعم في دبي يشهد نمواً ملحوظاً حيث يتم إطلاق مطعم جديد كل شهر كونه القطاع الأقل مخاطرة”.
أما محمد ن. فهو أيضاً ينوي التوجه إلى دبي للاستثمار في سلسلة مطاعم مع عدد من أصدقائه اللّبنانيين المقيمين هناك، بعد أن تدهور عمله في القطاع هنا أيضاً قبل عام بسبب الاوضاع الاقتصادية.
ويقول محمد “في دبي أستطيع العمل ضمن بيئة آمنة، بعيداً عن المخاطر والمخاوف اليوميّة التي نعيشها في لبنان، والتي تحد من قدراتنا وانتاجيتنا”.
الاستقرار قبل الثّروات
وفي هذا الإطار، يوضح رئيس لجنة التّجارة في غرفة بيروت وجبل لبنان، جاك الحكيم لـ”أحوال” أنه “في ظلّ الظّروف الصّعبة بدأ اللّبنانيون البحث عن أي منفذ يخرجهم من الكابوس الذي يعيشونه في بلدهم، بعد أن فقدوا الثّقة فيه، فاتّجهوا نحو الخليج وتحديداً دبي، حيث أنّ القييمين على الأنظمة هناك لديهم رؤية طويلة المدى عكس المسؤولين اللّبنانيين، كما ولديهم نظام واستقرار وأمن وتحفيزات مشجعة للاستثمار فهم دائماً ما يقدمون العروض التي تجذب المستثمرين”.
وأضاف الحكيم “اللّبنانيون اليوم يبحثون عن الاستقرار النّفسي والأمني والمادي قبل جمع الثّروات، وعن حياة كريمة تؤمّن لهم متطلبات الحياة الأساسيّة التي افتقدوها في بلدهم”.
واقع مأزوم
اقتصادياً، ترى المحللة الاقتصادية فيوليت غزال البلعة في حديثٍ لـ”أحوال” أن “حكومة دبي تقدم كل التسهيلات الكفيلة بدوران عجلة الاقتصاد، بدءً من الاستقرار ووضوح الأفق، مروراً بالخدمات الضرورية للأعمال (كهرباء، انترنت، نقل..) وصولاً الى تدني درجة المخاطر، بما يجعل كلفة الاستثمار مقبولة جداً قياساً بالأكلاف التشغيلية وبالايرادات المتوقعة في سوق آمنة ومدروسة”.
وتضيف بلعة “هذا ما دفع اللبنانيين الى اعتبار دبي وجهة جاذبة للأعمال والاستثمار، وخصوصاً بعدما انعدمت كل تلك العوامل في لبنان منذ بدء الأزمة الأخيرة في تشرين الاول 2019، فيما المستقبل لا يحمل أي مؤشرات حلحلة حتى في الأمد القريب، رغم تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي اكدت عزمها على بدء التفاوض مع صندوق النقد الدولي من اجل حصول لبنان على برنامج انقاذي يضمن دخول القروض والمساعدات والدولار الطازج، في مقابل سلة إصلاحات مالية واقتصادية، لا يزال لبنان يرددها على مسامع المجتمع الدولي منذ مؤتمرات باريس في العام 2000”.
وعن إمكانية فقدان لبنان مركزه الاستثماري لصالح دبي خصوصاً بعد أن انتقل النشاط التجاري من مرفأ بيروت الى مرفأ حيفا بعد انفجار 4 آب، تجيب بلعة “بالفعل، لقد فقد لبنان دوره كمركز استثماري مالي خدماتي في منطقة الشّرق الأوسط منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، وحاول مع انتهاء الحرب في تسعينيات القرن الماضي، استعادة هذا الدور، حيث نجح أحيانا وفشل في أحيان أخرى. لكن لبنان بقي مستشفى الشرق الأوسط ومدرسته وجامعته ومصرفه، إلى أن تفجرت أزمة السّيولة في نهاية 2019، وبدأ يفقد تباعاّ وتدريجياّ مع تفاقم الأزمات السّياسية والاقتصادية وتشعبها إلى أزمات حياتيّة ومعيشيّة، دوره كمحور استثماري لمصلحة دبي وسواها من العواصم والدول التي عرفت كيف تقتنص الفرص السانحة وتستغل مفاعيلها إيجابا لمصلحة مجتمعاتها”.
وتتابع “من هنا، فإنّ عودة الثّقة إلى أداء السّلطة السّياسيّة في لبنان هي مفتاح الحلول الاقتصاديّة، إذ يستطيع لبنان وبسرعة هائلة النهوض من كبوته، كون اقتصاده الليبرالي صغير الحجم، وميزات التعافي التي تكمن في ثروته البشرية – ورغم هجرة الأدمغة، قادرة على انتشاله من جحيم شامل غير مسبوق في تاريخه”.
وتلفت إلى أنه “لو نجح لبنان في المحافظة على حقوقه النّفطيّة والغازيّة مع تحديد خط الـ29 كنقطة أساس للتّفاوض مع إسرائيل، فان النّفط سيكون الثّروة المستقبلية التي تدخل لبنان نادي الدّول النفطية، وربما الممر الأساس للانضمام لمنتدى غاز شرق المتوسط الذي سيتولى نقل غاز المنطقة إلى أوروبا”.
وتختم البلعة بالقول “من خلال استغلال الثروات النفطية، يستطيع لبنان تحريك مفاصل أساس في اقتصاده، أبرزها تقديم فرص عمل جديدة، واستقطاب استثمارات ورساميل اجنبية قادرة على ضخّ “الدولارات الطازجة”، لكن شرط إرساء استقرار سياسي، وتحويل وجهة لبنان من دولة فاشلة تبحث عن هوية جديدة، الى دولة متعافية متمسكة بملامحها الاقتصادية الليبرالية، ومتعاونة مع حاضنتها العربية والخليجية، ومنفتحة على الغرب كما دأبت منذ انشائها يوم الاستقلال”.