حكومة انقاذية بنكهة باريسية.. ومهمّات شاقّة!
بكلمة ارتجالية ودمعة قدّم ميقاتي برنامج مقتضب لفريقه الحكومي. الحكومة المحفوفة بمخاطر كثيرة، إبنة الثمانية أشهر، أمامها عمل كثير ومكثّف لتنفيذ جدول “الإنقاذ” من الانهيار الكبير.
في ظهيرة يوم جمعة، انفرجت أسارير النظام السياسي بولادة حكومة وبات للبنانيين صورة يتوسّطها رئيسا الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي ومعهما رئيس المجلس النيابي نبيه برّي ووجوه وزارية جديدة سيكتشف مكنوناتها الشعب تباعًا.
في الحسابات السياسية وبدون استعادة تقاسيم الفراغ والشد والجذب لمدّة عام، فإن التدقيق بالأسماء الوزارية يظهر أن طرفاً قد حصل على أكثر من الثلث ضمنيًا أو مواربةً، فهو حاصل لذا نادي رؤساء الحكومات السابقين ممتعض وقد أبلغ ميقاتي بذلك، لكن الأخير مضى في تنفيذ الاتفاقات التي عقدها دون أن ينظر إلى الوراء.
هذه الحكومة جاءت ثمرة جهود مضنية ومرهقة انتظرها اللبنانيون نحو 13 شهرًا من التجاذبات والمواعيد الخادعة والاتهامات المتبادلة التي لم يتبيّن من مقاربتها سوى المصالح السياسية لكل فريق.
الحكومة التي تجمع التناقضات السياسية اللبنانية، وُلدت بالفعل على يد القابلة الفرنسية، وبدفع أميركي جاد، في مناخ متغيّر يحوم في المنطقة مع توزيع أدوار جديد لمناطق نفوذ القوى العالمية والإقليمية.
الفريق الرئاسي يُصرّ على أن الحكومة لم تكن لتولد لولا موافقة عون على كل اسم فيها. ولا يُخفي الاحتفاء بما يملكه العهد داخل الحكومة. وبخلاف النفي الدائم من قبل هذا الفريق على فرض شرط الحصول على “الثلث الضامن” حصل فريق رئيس الجمهورية والتيّار الوطني الحر على تسعة وزراء وليس ثمانية/ مع الغمز لناحية وجود “وزير ملك”، الأمر الذي أثار امتعاض نادي رؤساء الحكومات السابقين وعبّر عنه صراحة عرّاب النادي فؤاد السنيورة بقوله إن “”التشكيلة الحالية ليست ما يحتاجه لبنان، لكنها أفضل الممكن”. بدوره رئيس الحكومة نجيب ميقاتي غضّ الطرف عن حصة العهد حتى يستطيع السير بالحكومة. وباستعادة أسماء الوزراء الجدد يمكن لحظ أن اختيار الوزيرين المسيحيّين “الحياديّين” بين عون وميقاتي أقرب إلى العهد منه إلى ميقاتي، وبهذا الفوز جاء قرار تكتّل “لبنان القوي” بمنح الثقة للحكومة الجديدة”.
ثلث معطّل في الحكومة للرئيس عون زائد واحد، يقول البعض سرّا وعلانية، لكن بالنظر إلى التشكيلة الجديدة تبدو كأنها لُغّمت بأسماء اشتبك ولائها بين فريقي رئيس الجمهورية والحكومة ولن تتمظهر حقيقتها إلّا على طاولة مجلس الوزراء خلال التصويت على مشاريع وتحدّيات مرتقبة.
اجتراح حلول للملفات التي تهمّ اللبنانيين، هو أكثر ما يشغل بال المواطنين لا شخوصها، لكن بالتدقيق في هويات الوزراء الجدد يلحظ أنها حكومة اختصاصيين، ولو وزّعت الاختصاصات في غير محلّها في بعض الحقائب، تضم أكاديميين مميّزين لهم خبراتهم في أماكنهم ومواقعهم السابقة، ولم يختبر معظمهم العمل الإداري الرسمي يُخشى أن تكون شبيهة بحكومة الرئيس حسان دياب. والهويات الكامنة لبعضهم هي النشأة والتطعيم الفرنسي والأميركي، فبعضهم من حاملي جنسيات أميركا وفرنسا ممن تتلمذوا وبنوا خبراتهم على أراضي البلدين، وهذا ما يُفسّر الدعم الذي سهّل طريق ولادة الحكومة مع وعود بدعم مشاريعها الإصلاحية. وهذا أيضًا يطرح تساؤلات عن طبيعة مستقبل القرارات التي ستأخذها الحكومة، هل على الطريقة الفرنسية أم الأميركية؟ زمن الإجابة على هذه التساؤلات ليس ببعيد..
بكل الأحوال، فعلها نجيب ميقاتي، ونجح حيث فشل زميله في النادي الرئاسي سعد الحريري الذي حجز تكليفه لتشكيل الحكومة أكثر من تسعة أشهر. رجل الأعمال الناجح عرف كيفية تدوير الزوايا في لعبة التأليف وسلّم بحتمية التوافق مع رئيس الجمهورية والتنسيق معه لولادة أي حكومة. لكن الحسم لم يأتِ من عزم داخلي بل بإشارات عربية من مصر، التي لم تتوقف اتصالاتها مع مختلف الأطراف في لبنان وبينهم حزب الله، ودفع غربي تولاه عرّاب المبادرة الفرنسية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أول المرحبين بالحكومة الجديدة التي أرادها إنجازًا شخصيًا لذاته.
في الشكل، هي حكومة أفضل الممكن، وفق التوصيف الذي قدّمه رئيسي الجمهورية والحكومة، تقاسمها الرئيسان مع مايسترو التوازنات رئيس مجلس النواب نبيه بري وحلفائهم. زمن عيشها قصير لوقف الإنحدار السريع، ولمعالجة الأزمات الملحّة كانهيار الليرة وتوفير المحروقات والدواء والكهرباء. وهي حكومة لتحقيق بعض الخطوات الأوّلية وليس الإنقاذية الجذرية، ولعلّ أهمّ مهامها ما بقي من المبادرة الفرنسية وهي الإنتخابات وبعض الإصلاحات الفورية.
إذًا، استعاد النائب الطرابلسي لقب “دولة الرئيس” للمرّة الثالثة بعد تجربتين حكوميتين لم تكونا يسيرتين، ومهمتّه اليوم قد تكون عسيرة أو شبه مستحيلة، هو يدرك ذلك كما يتيقن منه كل مشارك فيها.
مهمات حكومته الجديدة في 4 نقاط، حدّدها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وهي: مواجهة جائحة “كورونا”، معالجة المضاعفات المادية الناتجة عن انفجار مرفأ بيروت، الإصلاحات بشكل عام والانتخابات النيابية.
وقال ميقاتي في أول حديث إعلامي له بعد صدور مرسوم حكومته الجديدة وعبر منبر سعودي هو قناة “الشرق”، إن حكومته ستحلُّ الأزمات “في أسرع وقت، ولا أطلب فترة مهلة”، مضيفًا “سنعمل لإيقاف الهبوط المرّ الذي يشهده لبنان، نحتاج إلى سد فراغ عقب 13 شهراً من التعطيل السياسي”.
وتوعّد ميقاتي من يريد عرقلة عمل الحكومة بإخراجه منها، مؤكداً أن “خطتنا الإنقاذية موجودة وسنعمل على تحقيقها”. ورأى ميقاتي أن “الإصلاحات في لبنان قد تتطلب وقتاً لحصد النتائج”، مشيراً إلى أنه سيعمل على “اتفاق مُرضٍ مع صندوق النقد الدولي”.
بالنسبة للعلاقات مع الخارج، أعلن ميقاتي أن حكومته بعد نيلها الثقة ستُكثّف اتصالاتها الخارجية، و”سنطلب الدعم من دول مجلس التعاون الخليجي”، مؤكداً حرصه على “التنسيق والتعاون مع جميع الدول العربية”. وقال ميقاتي إنه سيعمل على “إعادة لبنان إلى المجتمع الدولي بعد انقطاعه»، مشدداً على أنه «لا يمكن إلا أن نكون على علاقة وثيقة مع الدول العربية”.
تعهدات لا يُستهان بها، قد يحترق بنارها، وأول النيران الإعلان عن رفع الدعم المحتّم عن المحروقات في أي لحظة مع التسليم بفقدان الأموال. وهو الاستحقاق الذي سيؤرق الحكومة على أقل تقدير حتى قبيل صدور بيانها الوزاري ونيل الثقة في مجلس النواب.
أهم مهمات الحكومة الوليدة والقصيرة العمر، بحسب مصادر سياسية: تطبيب آلام الناس والمعالجة العاجلة لأزمات المحروقات والدواء والغلاء، وثمّ إجراء الانتخابات النيابية في موعدها وهو الاستحقاق المطلوب دوليًا. هكذا باختصار، لأنه بحسب المصادر فإنّ “الوعود الفضفاضة بالإصلاحات لا يمكن تحقيقها بطاقم حكومي ينتمي لجهات تمنّعت عن الإصلاح لعقود طيلة فترة حكمها وهذه الحكومة، التي يرأسها ميقاتي المتهم بمشاركة الطبقة السياسية في إيصال البلاد إلى الانهيار الحالي، لن تكون قادرة على تنفيذ القوانين الإصلاحية ومحاربة الفساد والتدقيق الجنائي.
رانيا برو