منوعات

هكذا تبخّرت الإيجابية في ملف تشكيل الحكومة

تفاؤلٌ حذرٌ طغى على ملف تشكيل الحكومة في الأيام القليلة الماضية، ولا سيما مع دخول المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم مجدداً على خط التفاوض وتقريب وجهات النظر بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي. العين كانت على اللقاء المرتقب بين الرّجلين، على اعتبار أن العُقد الأساسية قد حُلّت والحكومة باتت على بُعد أمتارٍ قليلة.

كل هذه الآمال ذهبت أدراج الرياح، ولعلّ ما أُشيع من إيجابيةٍ انعكست على سعر صرف الدولار ولو بشكلٍ بسيط، لم يتعدَّ مفعولها عتبة إبداء حسن النوايا من قِبل المعنيَين المباشرَين، كي يُحمّل كلٌّ منهما الآخر المسؤولية عند عودة السلبية لتطفو على سطح المشهد. وهذا فعلاً ما حصل، وأكداه للعلن بالبيانات والبيانات المضادّة.

مرةً جديدةً، تُؤكّد رئاسة الجمهورية أنّ “الرئيس، المتمسك أكثر من غيره باحترام الأصول الدستورية لتشكيل الحكومات في لبنان وحتى الأعراف التي نشأت إلى جانبها، أعلن أكثر من مرّةٍ بأنّه لا يريد، لا بصورةٍ مباشرة ولا بصورةٍ غير مباشرة، الثلث الضامن”.

وهي العقدة التي ترتبط مباشرةً بتسمية الوزيرين المسيحيين. بالنسبة لرئيس الحكومة المكلّف، فإن إصرار الرئيس عون على أن يقترح هو مجموعة أسماءٍ يختار منها ميقاتي اسمين، يعني أن رئيس الجمهورية هو مَن سيسمي “الوزيرين المسيحيين”، وبذلك يحصل على الثلث الضامن، وهي المنطقة المحظورة بالنسبة له. فما يريده هو أن يُقدّم لعون أسماءً يختار منها الأخير، لا العكس.

إذن، ميقاتي يتمسّك بتسمية وزيرٍ مسيحي، وهو ما درجت عليه العادة وفق حساباته خلال عهد الرئيس عون. ففي حكومة الحريري الأولى سمّى رئيس الحكومة الوزير ميشال فرعون، في الثانية سمّى الوزيرة فيوليت خير الله الصفّدي، كما أنّ رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب سمّى الوزير دميانوس قطّار عند التشكيل.

ويطالب ميقاتي بأن يتولى الوزير المسيحي الذي سيسميه إحدى الحقيبتين: الاقتصاد أو الطاقة، ليضمن تمثيله عبر مَن يتولّى إحداهما في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

أمّا تمسّك رئيس الجمهورية بتسمية الوزراء المسيحيين، فينبثق من فكرة أن الشيعة سموا وزراءهم، والسنة سمّوا وزراءهم، والدروز سمّوا وزراءهم، فلماذا لا يسمي المسيحيون وزراءهم؟

ما يوصلنا إلى خلاصةٍ مفادها “حلها إذا بتنحل”.

رئيس الحكومة المكلّف أكّد في بيانه أنّه “ماضٍ في التشكيل وفق الأسس التي حدّدها منذ اليوم الأول وبانفتاح على التعاون والتشاور مع فخامة رئيس الجمهورية ميشال عون، ويتطلّع في المقابل إلى تعاونٍ بنّاء بعيداً عن الشروط والأساليب التي باتت معروفة”، مضيفاً أن “البعض مصرٌّ على تحويل عملية تشكيل الحكومة إلى بازارٍ سياسيٍّ وإعلاميٍّ مفتوح على شتّى التسريبات والأقاويل والأكاذيب، في محاولةٍ واضحةٍ لإبعاد تهمة العطيل عنه وإلصاقها بالآخرين، وهذا أسلوب بات مكشوفاً وممجوجاً”.

ليَصدر بعد بيانه بيانٌ من بعبدا أشار إلى أن “الشعب اللبناني أصبح على قناعةٍ أن هذه التعمية إنّما عرّت الأهداف الحقيقية لأصحابها”. في هذا الإطار، لفتت المصادر إلى أن الرئيس المكلّف تلقّى اتصالاً من بعبدا نفت فيه أن تكون رئاسة الجمهورية قد تعمّدت الرّد على بيانه وأن يكون هو المقصود في ما صدر عنها”.

على حبال المجهول تتعلّق الحكومة. حبالٌ عُقدُها واضحةٌ وعنيدةٌ لا تُفكُّ بسهولةٍ، طالما أنّ كلّاً من الطرفين يشدّها نحوه بقوّةٍ، مما يعيق حلحلة العقد. فمتى تُقطع هذه الحبال أو يُفلت أحد المعنيّين طرفها؟ العلم عند الله، والشعبُ رهينةٌ عند حاكميه.

 

آلاء ترشيشي

آلاء ترشيشي

مذيعة ومقدمة برامج. محاضرة جامعية. حائزة على ماجستير في العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى