منوعات

أين “الشيعة الأفغان” بعد سيطرة طالبان؟

تُصنف قومية “الهزارة”، وهم بغالبيتهم ينتمون للمذهب الشيعي، على أنهم الطرف الأضعف في أفغانستان، رغم أنهم يشكلون نسبة تقارب 20% من عدد السكان، وعوامل الضعف ناتجة عن أسباب تاريخية خارجية وأخرى تتعلق بالهزارة أنفسهم.

فمن هم هؤلاء القوم؟ وأي معادلة سيشكلون اليوم مع زلزال أفغانستان الذي ضرب وسط آسيا وسيترك أثره العنيف على الاقليم والعالم؟

الهزارة، جماعة عرقية أفغانية تشغل مناطق الوسط والشمال القريبة من العاصمة كابول، وهي من أغنى المناطق الزراعية خصوبةً في أفغانستان، وتقع مناطقهم بين وادي هلمند وهندوكوش وبابا، ما جعلهم ضحايا الحروب المتكررة بين الطاجيك والاوزبك والبشتون والدول الكبرى.

رغم هذا الموقع الجغرافي، لم يستطع شيعة افغانستان الاستفادة منه وتحصينه لأسباب عديدة منها:

1- بُعد مناطق سكنهم عن بعضها البعض.
2- غياب عامل الدعم الخارجي تاريخيًا كما هو حال باقي القوميات الأفغانية.
3- رفض إيران تشكيل كيان عسكري خاص بالشيعة في داخل أفغانستان تجنبا للصراع المذهبي.
4- غياب الزعامة المحلية الكبيرة، دينية كانت أو قبلية، لدى الهزارة وبالتالي فقدانهم وحدة القرار القوي.

وعلى خطً موازٍ، ساهم الاضطهاد والتجاهل السياسي المتعمد بحق الهزارة طيلة عهودٍ متعاقبة وعقودٍ متتالية، في تعميق أزمتهم الداخلية وضعفهم وتهميشهم في كل أنظمة الحكم التي مرت على أفغانستان، كل ذلك جعلهم القومية الأكثر فقراً في حين يسيطر البشتون على وظائف الدولة ومفاصلها ويتحكم الطاجيك بالتجارة والمال.

الاضطهاد الذي طال شيعة أفغانستان الهزارة دفع بالملايين منهم الى ترك أرضهم وبيوتهم والهرب بأرواحهم إلى إيران، ما زاد في حالة الضعف التي يعيشونها .

توافقات إيرانية مع طالبان

يوجد في بلاد الأفغان ما يمكن تسميته “البشتونية السياسية”، على غرار ما كان يسمى سابقاً في لبنان بالـ”المارونية السياسية” كمعنى عام لفئة صغيرة حاكمة ومتحكمة بمقدرات البلاد، والبشتون هم القومية الأكبر بين قوميات كبيرة، لكنهم ليسوا الأغلبية الساحقة.

رغم كل ذلك، فقد سيطر البشتون على كل مفاصل الدولة الأفغانية على مر العصور، وكان آخرها في ظل الاحتلال الأميركي؛ هذا المعطى تعرفه جيدا الجمهورية الاسلامية الإيرانية التي عملت مع البشتون منذ الغزوة الأميركية في الـ 2002، وقدمت الدعم المالي والعسكري لحركة طالبان، ما وطد العلاقة بين الطرفين، خصوصاً أن البشتون كقومية شعروا بالخطأ الكبير الذي ارتكبته طالبان بحق القوميات الأخرى خلال فترة حكمها الأولى، ما افقدهم حكم أفغانستان بعد الغزو الأميركي وخلق لدى الطاجيك نزعة انفصالية في وادي بنجشير، وهذا ما استوعبته القيادات القبلية البشتونية وشكل عامل تغيير في مفاهيم طالبان للحكم وتصرفاتها بعد سيطرتها على غالبية أفغانستان خلال الاسبوع الماضي.

وهذا الأمر سهل عملية تفاهم ايراني مع طالبان خلال سنوات التواصل الماضية، نتج عنه اتفاق خلال زيارة قام بها الملا برادر عبد الغني إلى إيران في كانون ثاني الماضي، وهذه زيارة معلنة ورسمية أعقبت عشرات الزيارات غير المعلنة لقيادات طالبان إلى إيران، وشمل التوافق الإيراني – الطالباني ما يلي:

1- تحافظ طالبان على حياة الهزارة الشيعة وعلى وجودهم في مناطقهم وعلى حريتهم الدينية والشخصية.
2- تمتنع طالبان عن دعم الانفصاليين البلوش في ايران.
3- تمتنع طالبان عن تحويل أفغانستان، كدولة، إلى مركز خطر أمني داهم على إيران ودول الجوار.

في المقابل، أبلغ الملا برادر الايرانيين أن طالبان سوف تعمل على تشريك كل الفئات وألا تتفرد بالحكم، وسوف تشارك كافة فئات الشعب الأفغاني السلطة والمسؤولية.

وهذا البند الأخير يشكل أحد أهم بنود اتفاق الدوحة بين أميركا وطالبان… وللحديث تتمة.

نضال حمادة – باريس

نضال حمادة

نضال حمادة كاتب وصحافي لبناني مقيم في باريس، خبير في شؤون الجماعات السلفية المحاربة، له عدة كتب: صناعة شهود الزور، الوجه الآخر للثورات العربية، أسرار حرب القصير، خفايا وأسرار داعش. حائز على دبلوم في علوم الطيران من جامعة باريس ٨.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى