لم تكن زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية إلى بيروت على الرحب والسعة من بعض الأفرقاء بالداخل اللّبناني، إذ أحدث حضورُه احتجاجات من أطراف سياسية مختلفة.
فأثارت زيارة هنية، وهي الأولى له منذ ٢٧ عامًا، جدلًا واسعًا في أوساط اللّبنانيين، وكان لافتًا لقائه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله كما شمل برنامج لقاءاته كلاً من رئيس مجلس النواب نبيه برّي، ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، ومدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم، ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وغيرهم من الشخصيات السياسية والدينية.
في هذا السياق يضع مراقبون معارضون للزيارة بعض الملاحظات السريعة التي تساعد في فهم هواجسهم :
أوّلًا، يمر لبنان بمرحلة حاسمة ومصيرية وخطيرة، وهناك ضغوط كبيرة على لبنان دفعت المجتمع الدّولي والعربي إلى محاصرته أو على الأقل عدم دعمه، والسبب الأساس كما تدّعي التصريحات الغربية والعربية هو “سلوك حزب الله وانخراطه في الصراعات الإقليمية والدولية”. هذا الأمر ولا سيما بعد تدهور سعر صرف اللّيرة وانفجار المرفأ واستقالة الحكومة ووصول البلاد إلى مأزق كبير جدا، دفع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى إطلاق مبادرة تدعو إلى تحييد لبنان عن كل الصراعات الإقليمية والدّولية، وتحييد لبنان عن الصراع الاسرائيلي . فلبنان، كما يبرر مؤيدو هذا الرأي، بلد صغير ولا يحتمل زجّه في مواجهات كبرى، وعلى هذا الموقف شدد ايضا الكثير من الأحزاب اللّبنانية.
في هذا الإطار، جاء لقاء هنية مع الأمناء العاميين للفصائل الفلسطينية على الأراضي اللّبنانية ولقائه الأمين العام لحزب الله، وهي المرّة الأولى التي يلتقي بها الرجلان منذ الخلاف حول الأزمة السورية، الأمر الذي اعتبره مراقبون إحراجًا للبنان وتوثيقًا للتحالف “العابر للحدود” بحسب وصفهم، وعرقلة لأي دعم مالي دولي وأي توافق لبناني داخلي في هذه المرحلة المصيرية والحاسمة، ومن هنا كانت الزيارة ثقيلة وقد كان من الأفضل برأيهم لو جرى الغاؤها أو تأجيلها بالحد الأدنى..
ثانيا: أطلق هنية وقادة الفصائل الفلسطينية مواقف وبيانات سياسية ضد اسرائيل، أكدت مجدّدًا أن بيروت لن تكون بمعزل عن الصراع الإسرائيلي، بل ستكون قاعدة ومنطلقا لهجمات الفصائل الفلسطينية.
ورأت مصادر رافضة للزيارة في حديث لـ “أحوال” أنّ هذه المواقف تجعل الجبهة اللّبنانية مفتوحة مع اسرائيل ما يعطي ذريعة للإسرائيليين بالتدخل في الساحة اللّبنانية، وتهدد استقرار لبنان وأمنه على نحو دائم .
ثالثا: زيارة هنية إلى عين الحلوة وتقديمه مبلغًا ماليًا متواضعًا لدعم المخيمات، والمشهدية التي رسمت هناك من حمل مكثف للسلاح، أعادت إلى الأذهان كما قال النائب السابق فارس سعيد ذاكرة الحرب الأهلية، والسلاح الفلسطيني المتفلت من قبضة الدولة، والهواجس من وجهة هذا السلاح وطريقة استخدامه، كما أنّ ظهور هذا السلاح بهذه الطريقة يبعث بإشارات سيئة جدا لدى شرائح واسعة من اللبنانيين فيما يتعلق بسيادة بلادهم على مختلف المناطق والأمكنة، فـ “الفلسطيني لاجئ وضيف ومن واجب الدولة اللبنانية استقباله وحمايته، لكن بشرط أن لا يخرق قوانينها وسيادتها “.
يمكن اختصار المواقف المنتقدة للزيارة والمتحفظة على بعض التصريحات التي أطلقها هنية بالقول إن الفلسطيني مرحب به في لبنان وهو ضيف حتى عودته إلى بلاده، كما أن لبنان معروف بمواقفه التاريخية ضد الاحتلال الإسرائيلي، لكن في هذه المرحلة الحسّاسة لا يمكن للبنان إلّا أن ينأى بنفسه ولو مؤقتا حتى تتبلور استراتيجية عربية موحدة، فإمكاناته ومساحته وتركيبته المذهبية والطائفية والسياسية لا تسمح أن يبقى رأس الحربة الوحيدة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي .
في المقابل يطرح مراقبون مطّلعون على تفاصيل الزيارة والخطابات المندّدة التي رافقتها السؤال التالي: هل بات لبنان الداعم التاريخي للقضية الفلسطينية يضيق ذرعا بالقادة الفلسطينيين ؟
محسن شعبان