حريق جديد في المرفأ… نحن لا زلنا تحت الركام
يترافق أي حدث، مع اهتمام بديهي بطبيعة المستجد، لاستبيان تفاصيله، وقد يتعدّى الأمر، الى البحث في الأسباب.
بعض الأحداث، يكون لها وقع الحسم، كونها أحداثاً وأفعالاً لازمة غير متعدّية، كخبر الموت الذي قد يُعقَب بدهشة أو صدمة، قبل البحث في الأسباب التفصيلية للحدث، أو كخبر النجاح في أولى لحظاته، عندما يكتفي المتلقّي بالنتيجة لاشباع معرفته، قبل سؤاله عن الدرجات والعلامات.
في ظروف طبيعية، يمكن لخبر حصول حريق في مرفأ بيروت، أن يرفق بأسئلة حول حجم الحريق وسببه، ومدى خطورته.
الامر لم يعد كذلك هنا، حيث لا ظروف طبيعية في لبنان. الكثير من الأمور تبدّلت، هو شعور بالترقب، بالحذر يحيط بنا، وكأننا ننتظر حدثاً يوازي ما حصل في المرفأ، كأننا ننحدر بسرعة نحو المجهول، على متن وطن بلا فرامل، وبات أغلبنا يراقب المشهد بصمت، بانتظار الارتطام المحتّم.
بالنسبة لمواطن لبناني وصحفي شاهد وعاين واختبر أصوات القذائف، والصواريخ، وغارات الطيران، والقذائف المدفعية، والقنابل الفراغية، ورصاصات الرشاش، والتفجيرات والاغتيالات، وأجزاء متلاحقة من مسلسلات دموية، لا يستثنى منها مجرزة قانا في العام 1996 وخطورة وقعها على أطفال يدبدون نحو ربيع العمر، الى ان شاءت الأقدار أن يحملوا ذكرى مشاهد جثث الأطفال المتفحمة، كخنجر ينمو في الجرح مع تراكم السنوات، فضلا عن مواكبته عن كثب حكايا الفساد والمحاصصة والإهمال، لم يكن ، ما حصل من انفجار في مرفأ بيروت، بالنسبة له آخر المخاطر المرتقبة في هذا البلد.
ما أن أفدنا باندلاع حريق في المرفأ عصر اليوم، حتى سألني صديقي غير اللبناني، بنبرة تختزن كمية لا بأس بها من القلق والاستهجان، هل هناك حريق جديد في المرفأ ( شو القصة)؟
عادت بنا الصورة جميعا الى الرابع من آب، الى ذلك العصف المروّع، الى تلك المشهدية السوداء.
تضمحلّ الأخبار المطمئنة في بلدنا، نشعر أننا على قيد التهاوي، لا نملك الترف الكافي للنظر الى مستقبلنا، بتنا نمضي مساحة كبيرة من الزمن نمضيها في النظر خلفنا.. مشاعر قلقة تهمس في آذاننا بأن هناك من سيأتي من الخلف، على غفلة، ويدفعنا بقوة، وبلا رحمة، نحو قعر القاع.
إبراهيم درويش