غياب دعم الدولة قد يحول البساتين والحقول إلى صحاري
يوماً بعد يوم، يزداد انعكاس غلاء الأسعار سوءاً على المزارعين، ما أدى إلى تراجع الانتاج الزراعي من جهة، وتناقص عدد المهتمين بالزراعة، بسبب ” عدم القدرة على شراء الأسمدة والمبيدات الزراعية التي بات ارتفاع أسعارها يؤدي إلى خسائر كبيرة للمزارعين”.
عند بدء الأزمة الاقتصادية، تهافت الأهالي على زراعة حقولهم، بهدف تأمين الاكتفاء الذاتي من جهة، وخلق فرص إنتاج جديدة تساهم في تغطيات النفقات المستجدّة. لكنّ الارتفاع الباهظ لأسعار الأسمدة والمبيدات، وأيضاً البذار والشتول، ومعها أجور العمال، جعل المزارعين الجدد يتوقفون عن الزراعة.
في بلدة حولا مرجعيون، اضطرت المزارعة زينب نصرالله هذا العام إلى تخفيض عدد الأراضي التي كانت تزرعها بالتبغ والخضار، فتقول “كنت أستطيع زراعة أكثر من 150 دونم من الأراضي الزراعية في سهل الخيام، لكنّ ارتفاع أجرة العمّال بشكل كبير وكذلك عدم القدرة على شراء الأسمدة والمبيدات، والمياه اللاّزمة للريّ، جعلني أخفض عدد الأراضي المزروعة إلى النصف، وأعتقد أنّ استمرار الوضع على ما هو عليه قد يؤدي إلى التوقف عن الزراعة التي باتت تؤدي إلى خسائر مالية فادحة لنا ولغيرنا من المزارعين”.
يعتبر وجدي الأمين (بنت جبيل)، صاحب مشتل زراعي، أنّ “عدد المهتمين بالزراعة، كان في بداية الأزمة يزداد تدريجياً، لكن توقف الدعم عن الأسمدة والمبيدات الزراعية أدّى إلى تراجع أعداد المزارعين، وقد يؤدي إلى اقفال بعض المشاتل الزراعية، لأنّ أسعار الأسمدة والمبيدات بالدولار الأميركي، أمّا الشتول فتباع بالعملة اللّبنانية، بأرباح متدنية جداً عن ما كانت عليه سابقاً”.
ويبيّن أنّ “ثمن نقلة مياه الريّ الصغيرة ارتفع من 20 ألف اليرة إلى 150 ألف ليرة، أمّا ثمن شوال 25 كلغ من الأسمدة الكيميائية لا يزال 40 دولاراً أي ما يعادل اليوم مليون ليرة تقريباً ما يعني أنّ التوقف عن العمل أفضل لنا لأنّ رفع أسعار الشتول بما يتناسب مع الغلاء أمر لا يتحمله المزارعون”.
ويشير المزارع محمد شيت، الذي يزرع أكثر من 500 دونم من أراضي منطة الوزارني بأشجار الفواكه المختلفة أنّ “ما يحصل اليوم، في ظل غياب دعم الدولة ووزارة الزراعة، سيؤدي إلى القضاء على آلاف الأشجار المزروعة بالنكترين والعنب والدرّاق وغيرها من الأشجار التي نقوم بزراعتها في منطقة الوزاني وسردة “ويلفت إلى أنّ “الإنتاج الحالي لا يكفي أجور المزارعين، لأنّ أجرة المزارع ارتفعت من 30 ألف ليرة إلى 150 ألف ليرة، أمّا ارتفاع أسعار المازوت وانقطاعه أحياناً أدّى وسوف يؤدي إلى التوقف عن ريّ أكثر من 30 ألف دونم من البساتين في المنطقة”.
محمد شيت، الذي كان قد استأجر أكثر من 500 دونم في منطقة الوزاني، وعمد، كغيره من كبار المزارعين، إلى استصلاح هذه الأراضي الواسعة “دفع آلاف الدولارات وكل ما يملك بهدف الاستثمار في زراعة الأشجار المثمرة من الدرّاق والنكترين والعنب وغيرها، اضافة إلى القمح وأنواع متعددة من الخضار”.
في هذه المنطقة يعمل مئات العمّال، اللبنايين والأجانب، طيلة ساعات النهار، معظمهم من المقيمين هناك، في خيم أو مساكن أعدّت لهم. ويؤكد شيت على “انتفاع أكثر من 3000 عامل من هذه الزراعة، إضافة إلى تشغيل حوالي 4 معامل من البلاستيك والورق”. لكنّه يقول “سوف أضطر إلى الاستغناء عن أكثر من 200 دونم من الأراضي، بسبب الغلاء الفاحش للأسمدة والمبيدات والبلاستيك وغير ذلك، لديّ 100 عامل، يعتاشون من هذه الزراعة، والدولة غائبة، أمّا وزارة الزراعة فتدعم من لا يحتاج إلى الدعم، فتقدّم الأدوية المدعومة لأشخاص محدّدين، وتوزع آلاف الأطنان من الزنجارة، ولا نعلم كيف، فالمحسوبيات ستقضي على المزارعين، وتعيد هذه المنطقة الخضراء إلى أراض قاحلة كما يريد العدوّ”.
ويذهب المزارع أحمد كريم إلى أنّ “المزارعين الصغار لا يستفيدون من خدمات الجمعيات والمنظمات الدولية، لأنّ هذه الخدمات يستفيد منها أصحاب التعاونيات الزراعية المرخّصة، رغم أنّ أغلب هذه التعاونيات مسجّلة بأسماء وهمية لخدمة بعض المنتفعين الذين يحصلون على الميبدات والأسمدة والآليات الزراعية المختلفة، والتي يتم بيع بعضها في السوق السوداء”.
يُذكر أنّ إحدى أبرز أزمات القطاع الزراعي اليوم هي الغياب شبه الكامل للإنتاج المحلّي للأسمدة، وحاجة السوق إلى استيراد السماد الكيميائي أو العضوي وبالدولار أيضاً، أمّا الأسمدة العضوية فهي قليلة جداً في لبنان ويحتاج إنتاجها إلى دعم الدولة والبلديات، حتى أن أسعار أعلاف الحيوانات باتت مرتفعة جداً نسبياً، فثمن شوال الزبل ارتفع من 5000 ليرة إلى 15000 ليرة. ويطالب المزارعون بضرورة تحويل النفايات المكدّسة في المكبّات والشوارع إلى أسمدة عضوية وبأسعار تتناسب مع القدرة الشرائية للمزارع. لذلك عمدت بلدية شقرا ودوبيه إلى استغلال معمل النفايات الموجود في البلدة لفرز النفايات وتحويلها إلى أسمدة عضوية بعد تكليف أحد الخبراء بذلك، ثم بيعها بأسعار تشجيعية للمزارعين وهذا ما ساهم ولو بشكل قليل في التخفيف عن الأعباء المالية للمزارعين.
داني الأمين