لم تكن المرّة الأولى التي يتصدّر فيها فوج الإطفاء المشهد العام، ليتحوّل عناصره من مشاركين في الحدث إلى الحدث نفسه.. مشهد انفجار المرفأ الذي هزّ لبنان والعالم لم يكن بعيدًا عن هذا الواقع، فغدت صور شهداء فوج الإطفاء جزء لا يتجزأ من المشهد المهول، كما أنّ وجود هؤلاء العناصر منذ اندلاع النيران وسباقهم “للموت” جعل قصصهم على كلّ لسان.. مأساة المرفأ أعادت إبراز دور هذا الفوج وأهميته على مستوى العاصمة ومساحة الوطن.
في سياق متوازٍ، يعيش هؤلاء “المنقذون” حياة مهنية زاخرة بالمخاطر، في ظل دولة غير آبهة بكل أبنائها، إذ تتعدّى مهامهم عمليات الإطفاء إلى نزع لافتات المرشحين للانتخابات النيابية، وهذا مخالف للقانون لأن ذلك يقع على عاتق المرشح نفسه، سواء ربح أم خسر.
ونتيجة لهذه التجاوزات المرتكبة بحق فوج الإطفاء، حلت الكثير من الإصابات بعناصره سواء بالصعقات الكهربائية أو بالسقوط من أماكن مرتفعة نتيجة هذه العملية التي لا تمت إلى مهمة الإطفاء بصلة.
القصة لا تنتهي هنا، انما يقوم فوج الإطفاء بتنظيف الأنفاق ومسح جدرانها بعد تعذر الشركات المتعهدة القيام بمهامها، بالإضافة إلى افتقار ثكنات الإطفاء لوسائل التبريد في أيام الصيف الحارق وكأن لهيب النيران لا يكفيهم.
في هذا الإطار، يؤكد محافظ بيروت القاضي مروان عبّود لـ “أحوال” أن الفوج بحاجة ماسة إلى المعدّات والأجهزة المتطورة فالأجهزة الموجودة بدائية والمطلوب أجهزة قادرة على تحديد أماكن وجود العناصر أثناء إخماد النيران أو الدخول إلى الكهوف وغيرها من الأماكن، وتأمين الاتصال بهم.
وأشار عبود الى ضرورة العمل على تطوير قدرات فرق الإطفاء عبر التوأمة مع الفرق الأوروبية لتطوير مهارات القادة والأفراد، كما شدّد على ضرورة تشكيل غرفة عمليات مشتركة للإطفاء لتلقي الأوامر وتوجيه العناصر وفق ما تقتضيه طبيعة الأرض والحوادث.
وأكدّ محافظ بيروت أن الأوامر أعطيت للإسراع ببناء المركز المدمّر في منطقة الكرنتينا والباشورة معتبرًا أنّ الأولية اليوم هي لتأمين سلامة العناصر والبقاء على أتمّ الجهوزية لمواجهة أي طارىء.
على أي حال، يتضح من الذي حصل في مرفأ بيروت أنّ الإهمال لم يلحق بإطفاء بيروت وحسب بل طال جميع الأجهزة، والأولوية اليوم هي لاختيار العناصر الكفوءة وليس اختيار أشخاص حسب انتمائهم الطائفي والمذهبي (وهذا يندرج على جميع الوظائف في الدولة)، في الدرجة الثانية بناء العناصر والأفراد ليكونوا ملمّين في مهامهم ليقوموا بها على أكمل وجه ويحافظوا على حياتهم وعلى حياة الآخرين، في المرحلة الثالثة تأتي المعدّات والتجهيزات الضرورية التي يحتاجها الجهاز، هكذا يمكن النهوض بمؤسسات الوطن والحفاظ على دماء عناصر الأجهزة كي لا يكونوا أرقامًا في عدّاد ضحايا الإهمال والدولة المتهالكة.
منير قبلان