منوعات

ما بين دمشق وعمّان.. درعا إلى أين؟ 

هل أحداث درعا جاءت صدفة بعد ثلاث سنوات من فرض الروس تسوية بين المسلّحين والجيش السوري، أم هي تزامنت مع مستجدات سياسية سورية- إقليمية؟ لا يمكن فصل التطور الدرعاوي عن إعادة الحياة للعلاقات السورية – الأردنية، أي أنّ التصرف السوري العسكري يختلف عن سابقاته بعد تخلّي الأردن عن مسلحيها التابعين لغرفة “الموك”.

اندفعت المملكة الهاشمية باتّجاه إعادة فتح المعابر بين الأردن وسوريا بشكل كامل، انطلاقًا من مصلحة عمّان الاقتصادية، لكنّ المملكة تخشى من بقاء المجموعات المسلّحة قرب حدودها: ما الذي يمنع أن يُستخدم السلاح ضمن الأراضي الأردنية لاحقاً؟ لو لم تُضبط أزمة المملكة الهاشمية في الآونة الأخيرة، ماذا كان ليمنع من تفلّت الحدود مع سوريا؟ لذا، فإنّ الملك الأردني عبدالله الثاني بحث خلال زيارته إلى الولايات المتحدة الأميركية مسألة تحييد بلاده عن قانون “قيصر” وتنفيذ خطوات حدودية لضمان عدم التفلّت في المناطق السورية المحاذية لبلاده. علمًا أنّ عواصم عربية وغربية باتت قلقة من هجرة سورية كثيفة بفعل حصار “قيصر”.

لم يكن أمام الإدارة الأميركية إلّا الاقتناع بما طلبه الملك الأردني بشأن استثناء عمّان من حسابات “قيصر”: سبق وطلب الرئيس الأميركي جو بايدن استشارة من “لانغلي” فجاءته دراسة مفادها أنّ استمرار خنق سوريا اقتصاديًا سيؤدي إلى تهجير ملايين السوريين، وستكون الوجهة نحو أوروبا عبر كل الوسائل. علماً أنّ واشنطن جرّبت كل الخيارات العسكرية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية في سوريا، لكنّها وصلت إلى قناعة أنّها تقوّض حلفاءها في الإقليم، وتحديدًا في الأردن والعراق ولبنان. مما يعني انّ تغيير الوقائع الميدانية في درعا هو الممر الطبيعي والضروري لإعادة انتظام المسار الاقتصادي الأردني – السوري. فهل جاءت الأحداث الدرعاوية لإظهار المسلّحين كلّ قدراتهم ومخابئهم وأسلحتهم ومخططاتهم، ثمّ طحنها؟ تدلّ كلّ المؤشرات على أنّ توقيت الأحداث المسلّحة جاء نتيجة قرار: انتهى زمن التسويات المؤقتة وحان وقت الحسم النهائي. قد يهلّل مسلحون لسيطرتهم على مناطق وحواجز عسكرية، لكنّ السؤال الجوهري: ماذا بعد؟ لم يعد هناك “موك” للإدارة والتمويل، ولا العرب يرغبون برفد المسلحين بأيّ دعم في زمن الانفتاح السعودي- الإماراتي- الأردني على دمشق. ممّا يؤكد أنّ الأحداث الدرعاوية هي الصفحة الأخيرة التي تُنهي عملياً كتاب الأزمة الميدانية في هذه المحافظة الحدودية.

فلننتظر الأيام، وربّما الأسابيع المقبلة في درعا وسط ثوابت: المنطق يؤكد أنّ الدولة التي استعادت معظم أراضيها من سيطرة المسلّحين باستثناء إدلب وبعض مساحات الشرق، لن تتردّد هذه المرّة بالحسم النهائي مدعومة بالمتغيرات. عندها لن يتردّد الأردن في إرسال أرتال شاحناته إلى سوريا وعبرها باتجاهين، ولا استقبال الشاحنات والسيارات من سوريا وعبرها بالاتجاهين. هناك شيء تغيّر تشكّل المملكة الهاشمية عماده، بدليل لقاءات وكلام الملك عبدالله الثاني في الولايات المتحدة الأمريكية منذ أيّام.

 

 

عباس ضاهر

عباس ضاهر

كاتب وصحافي لبناني. باحث متخصص بإدارة الأزمات والخطاب السياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى