مجتمع

انقراض “الشمام البرعشيتي” ومعه انتاج عشرات المزارعين

على طريق عام بلدة برعشيت (بنت جبيل)، تبسط المزارعة زينب فرحات (52 سنة) بعض الفواكه والخضار الصيفية البلدية، ومن بينها فاكهة الشمام اللّذيذة، التي تخلّى عشرات المزارعين مؤخراً عن زراعتها، رغم أنّ المنطقة اشتهرت خلال سنوات طويلة بزراعة “الشمام البرعشيتي”. فقبل نحو عشرين عاماً، انتشرت ظاهرة زراعة “الشمام البرعشيتي” في منطقة بنت جبيل الحدودية، بعد أن تمّ اكتشاف إمكانية نجاح بذرة الشمام المعروفة باسم “التانيا” من قبل أحد أبناء برعشيت، وهم أوّل من لجأ إلى هذا النوع الجديد من الزراعة في المنطقة. وبسبب تميّز طعم هذه الفاكهة التي سميّت أيضاً بـ “الآناناس البلدي”، ازداد الطلب عليها من جميع المناطق اللّبنانية، وبعض الدول العربية، لا سيّما الكويت والسعودية، ما جعل من مزارعي بلدات برعشيت وصفد البطيخ وتبنين وعيتا الجبل وغيرها، يتهافتون على زراعتها، التي أصبحت تنافس شتلة التبغ المرّة. هذا الأمر خلق فرص عمل كثيرة للمزارعين في المنطقة، إضافة إلى زيادة عدد المزارعين الذين وجدوا من الزراعة أمراً مربحاً. لكنّ إهمال الدولة، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية بدّل الحال، لتصبح هذه الزراعة أمراً مكلفاً ولا يتناسب مع الأرباح التي كان يحصل عليها المزارعون.

تقول زينب فرحات “لقد خسرنا كلّ شيء، حتى الزراعة التي ابتكرناها، فثمن بذار الشمام مرتفع جداً وكذلك حال الأسمدة والمبيدات”. ويلفت المزارع علي فرحات (برعشيت) إلى أنّ “ابن بلدة برعشيت جورج يعقوب هو أوّل من بدأ بزراعة هذه النبتة، بعد أن أجرى دراسة للتربة وتأكّد من جودتها في إنتاج الشمّام، وسرعان ما انتشرت شهرة الشمام البرعشيتي الذي بدأ إنتاجه يغزو الأسواق اللّبنانية وبعض الدول العربية، لكن كان يجب على الدولة ووزارة الزراعة أن تلتفت لهذه الزراعة وتدعمها وتجري دراسات على التربة لتأمين الأسمدة والمبيدات اللّازمة، لأنّ الأرض تحتاج إلى عناية وأسمدة معيّنة لتبقى صالحة لإنتاج هذا النوع من الزراعة”. تبيّن للمزارعين أنّ الأرض التي تزرع بالشمام البرعشيتي تصبح غير صالحة للزراعة إلاّ بعد مرور أكثر من 10 سنوات، أو إذا تمّ إعادة تأهيلها وتسميدها بشكل علمي ومدروس، وهذا يحتاج إلى قدرات علمية ودعم ممنهج. أمّا ارتفاع أسعار الأسمدة الزراعية وبدلات مياه الريّ وفلاحة الأراضي فقد أدى إلى خسائر مالية فادحة للمزارعين الذين لا يزالون ينشرون بسطات الشمّام على الطرقات القريبة من برعشيت. يقول المزارع صلاح حمزة (الجميجمة) الذي تخلّى عن هذا النوع من الزراعة “كنت أزرع ما يقارب العشرين دونماً من الشمّام البرعشيتي، لكنّني اكتشفت أنّ بذرة الشمّام تقضي على المواد المغذّية في التربة، ما يجعلها غير صالحة من جديد لهذا النوع من الزراعة. لذلك يضطرّ المزارع إلى تغيير الأرض المزروعة”، ويؤكد على ذلك المزارع محمد حيدر (برعشيت) فيقول “منذ 6 سنوات وأنا أقوم بزراعة الشمّام، لكنّني أضطر سنوياً إلى تغيير الأرض المزروعة، لأنّ بذرة الشمّام تجعل الأرض غير صالحة على الإطلاق من جديد لزراعة الشمّام”. إنتاج الدونم الواحد من الشمام، إذا استخدم الريّ بشكل دوري، يزيد عادة على 2000 كلغ بحسب صلاح حمزة، “ما يعني أنّ الأرباح تزيد على 7 ملايين ليرة للدونم الواحد، كون ثمن كيلو الشمّام البرعشيتي يقارب 4000 ليرة، بينما أصبحت كلفة زراعة الدونم على تزيد على هذا المبلغ، نظراً لارتفاع ثمن الأسمدة والمبيدات، إضافة إلى الكلفة المطلوبة لفلاحة الأرض وريّها”. حسين ملحم (مجدل سلم) الذي يزرع مع أسرته 35 دونماً من الشمّام يقول “لم نعد نزرع بذرة الشمّام البرعشيتي المعروفة باسم بذرة الـ”تانيا”، لأنّها تقضي على جودة التربة، لذلك استبدلنا البذرة ببذرة من نوع آخر، ما أدّى إلى إنتاج نوع آخر من الشمّام، وإن كان أقلّ جودة من الأوّل”.

تخلّى عشرات المزارعين إذن عن زراعة “الشمام البرعشيتي”، وشكّل ذلك خسارة كبيرة لأبناء المنطقة، فتقول زينب شهاب “كان يجب على الدولة أن تولي العناية اللاّفتة لهذا النوع من الزراعة، لأنّه كان سبباً في إنعاش الحياة الاقتصادية للمزارعين، إضافة إلى أنّ هذه الزراعة جعلت من هذه المنطقة النائية مقصداً للتجار والسياح من خرج لبنان، الذين كانوا يأتون إلينا قبل سفرهم، لشحن فاكهة الشمّام اللّذيذة إلى أقربائهم”.

 

داني الأمين

داني الأمين

صحافي وباحث. حائز على اجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى