مجتمع

انتشار واسع لأشجار الغار… هل تصبح بديلاً منتجاً للمزارعين؟

لا تزال أشجار “الغار” تنتشر بكثرة في بعض القرى الجنوبية، التي كانت تشتهر سابقاً بصناعة صابون الغار، الذي أصبح اليوم من التراث الآيل إلى الانقراض، لولا محافظة بعض أبناء المنطقة على صناعته والتجارة به وبزيت الغار، الذي بات مطلوباً اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، ” نظراً لندرته وفوائده المتعددة التي أكدها العلم الحديث” بحسب المزارعح أحمد جابر ( مرجعيون).

صناعة الزيت وصابون الغار، الذي عرفته قرى بنت جبيل ومرجعيون منذ عقود طويلة، يرتبط تاريخها بتاريخ الزّيتون والزّيت العتيق في المنطقة. عندما كان الصّابون البلديّ، قبل ظهور أدوات التنظيف المصنّعة، يستخدم بكثرة في مجمل بيوت المنطقة والجنوب. ولا يزال اليوم يفضّل على غيره من أنواع الصابون لخلوّه من المواد الكيمائية والمركّبات الصّناعيّة. بعض ربّات المنازل في حولا، لا سيما من كبار السنّ، ينتظرن موسم الغار لتحقيق بعض الأرباح التي يعتمدن عليها في معيشتهن.

تقول فاطمة أيوب أن “حبّات الغار تشبه حبّات الزيتون الصغيرة، ولونها بنيّ داكن. وتتجمّع بشكل عناقيد يتم قطافها في فصل الخريف”، وكالعادة لا يزال المزارعون يعتمدون على الطريقة القديمة في عمليتي القطاف والعصر وهي “طريقة يدوية تناقلها القرويون من جيل إلى آخر”. تّعمد أيوب إلى “طبخ حبّات الغار على نار الحطب في وعاء معدني خاص ثم تصفّى الحبات من الماء المغلي وتعصر في وعاء آخر، ويوضع الزيت في جرّة فخّار تم طليها بالطين من الخارج”. وتشير أيوب إلى أنّه ” يتمّ إغلاق الجرّة جيداً بالأعشاب، أو بمصفاة، وتقلب في حفرة داخلها وعاء من تنك، ويوضع العشب اليابس حول الجرّة ليحرق بعدها لينساب الزيت الطبيعي المصفّى من الجرّة إلى الوعاء في أسفل الحفرة”. هذا وقد عمدت جمعية الشبّان المسيحيين إلى إخضاع بعض مزارعي المنطقة من المنتسبين إلى التعاونيات الزراعية، إلى دورات تدريبية متخصّصة في صناعة صابون الغار.

تعتبر تربة عيتا الشعب (بنت جبيل) غنيّة بأشجار الغار مقارنة بالأراضي الزراعية الأخرى المجاورة، وقد عمد بعض النسوة في البلدة، إلى صناعة زيت وصابون الغار في منازلهن بعد أن تمّ تأمين المّعدات اللاّزمة لهنّ، من قبل جمعية “صامدون”، وبالتعاون مع الأخصائي رامي زريق، الأستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت وبعض المتطوعين الآخرين، تقول زهرة سرور “حصلنا على معدّات مميّزة لصناعة صابون الغار تأمين المعدّات المطلوبة من بينها قوالب خاصة وطناجر، إضافة إلى طابع محفور عليه اسم صابون عيتا الشعب.

وتعهّد الدكتور زريق بالعمل على تسويق الإنتاج في لبنان وخارجه بأسعار تشجيعية ومدعومة، وخصّص “ستاند” ثابت في سوق الطيّب في صيدا لعرض الصابون  المصنّع هناك، إضافة إلى تأمين جولات خاصة لنساء عيتا على معامل الصابون في لبنان”. ويشير سرور إلى أنّه “بعد قطف ثمار الغار نقوم بغليها لفترة طويلة لتتحوّل إلى زيت الغار وبعدها نقوم بتصنيعها لتصبح صابوناً، فهذا النوع من الصابون نادر جداً ومطلوب، لكنّه يحتاج إلى تسويق”.

وبيّنت سرور أنّ “ثمن تنكة زيت الغار ارتفع من 40 ألف ليرة إلى 300 ألف ليرة، وإذا تمّ تصنيعها إلى صابون يزيد الثمن عن 500 ألف ليرة”. وتأمل سرور بالمزيد من العمل والمساعدة لتأمين تسويق إنتاجهن، خاصة بعد أن زادت الحاجة إلى الإنتاج والعمل بفعل الأضرار الكثيرة التي لحقت بمصادر الإنتاج في عيتا”.

يُشار إلى أنّ متحف الصابون في صيدا يعود تاريخه إلى القرن السابع عشر، وهو متحف نادر في منطقة الشّرق الأوسط، ويحتوي على معروضات تتضمّن منتجات الصّابون، وكل ما يتعلّق بلوازم الحمّام التركيّ، والصّابون البلدي والمعطّر، فضلاً عن قسم منتجات المطبخ، من حلويات بالعسل وراحة الحلقوم وماء الزهر والورد، المحلّية الصنع. وتشير سرور إلى أنّ “من أهم فوائد زيت وصابون الغار تغذية البشرة وجذور الشعر وتخليص الجسم من البكتيريا المسبّبة للرائحة الكريهة، كما يستخدم كدواء لمعالجة بعض الأمراض الجلدية لا سيّما داء الصدفية”.

تعود صناعة الغار في المنطقة إلى منتصف القرن الماضي. وتروي بعض النسوة أنّهن تعلمن هذه الصناعة من اللّاجئات الفلسطينيات، من أبناء نابلس، اللّواتي حملن معهنّ، إثر نكبة عام 1948، بعض الصابون النابلسي المصنّع يدوياً. في الجنوب تنبهّن النابلسيات إلى وجود شجر الغار بكثافة، فعمدن إلى تصنيع الصابون منه، وكشفن لنساء المنطقة “سرّ المهنة”. مهنة ليست سهلة، بل تعدّ من الأعمال الشاقة التي اعتادت النسوة القيام بها، خصوصاً لأنّ استخراجه يستغرق وقتاً طويلاً إذ إنّه يعتمد على الحرارة، وهو يصنّع في البيوت ويتزامن مع موسم قطاف الزيتون في شهر تشرين الأوّل.

 

 

داني الأمين

داني الأمين

صحافي وباحث. حائز على اجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى