إستشارات “هدر الوقت” في عهد “التعطيل”
26 تموز 2021 موعد ضربه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لإجراء الاستشارات النيابية الملزمة وفق ما ينص عليه الدستور في سرعة قياسية مقارنة مع المرة السابقة حيث أخّر الدعوة بهدف “تحضير المناخات”، فكانت نتيجة هذه المناخات جريمة هدر 9 اشهر إنتهت بإعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري.
“هدر الوقت” – وبتعبير أصدق “التعطيل” – ميزة الحياة السياسية اللبنانية ولكن بالاخص عهد العماد ميشال عون الذي ولد من رحم تعطيل البلاد سنتين ونصف أي من 25/5/2014 تاريخ إنتهاء ولاية العماد ميشال سليمان الى 31/10/2016 تاريخ إنطلاق “العهد القوي”.
إختلفت الأسباب والنتيجة واحدة تعطيل لنحو 40% من الفترة الزمنية التي إنقضت من عمر العهد. المحطات التي تعطل فيها عمل الحكومة لم تكن مرتبطة بالاختلاف بين الأفرقاء على كيفية السير بالاصلاحات ومكافحة الفساد وسوء الإدارة في قطاعات حيوية كالكهرباء والمال والاقتصاد، بل التعطيل والتأخير الفعلي أتيا نتيجة لتوقّف الحكومة عن العمل خلال المحطات الكبرى التالية:
– عند إستقالة الحريري من السعودية في ٤/١١/٢٠١٧ ثم إنتقاله لفترة الى باريس قبل رجوعه الى لبنان في ٢١/١١/٢٠١٧ والعودة عن استقالته في ٥/١٢/٢٠١٧، توقف عمل مجلس الوزراء لمدة ٣١ يوماً.
– مرحلة تصريف الأعمال الطويلة بعد الانتخابات النيابية في 6/5/2018 بسبب الإختلافات حول تشكيل الحكومة وتوزيع الوزارات السيادية إذ لم تبصر الحكومة النور إلا في ٣١/١/٢٠١٩، أي إن فترة تصريف الأعمال أو بترجمة عملية “التعطيل” دامت ٨ أشهر و24 يوماً.
– توقف عمل مجلس الوزراء لفترة طويلة بعد حادثة قبرشمون بين ٣٠/٦/٢٠١٩ و١٠/٨/٢٠١٩ (٤٠ يوماً) خلال الفترة التي كان يجب ان تطبّق فيها الإصلاحات الموعودة على هامش موازنة ٢٠١٩ كما ان مناقشة موازنة ٢٠٢٠ تأخرت بسبب ذلك التعطيل.
من أصل السنوات الثلاث الأولى من عهد عون التي كلّف فيها الحريري تشكيل حكومتين على التوالي، توقف العمل كليًا ٧٠ يوماً وكانت الحكومة في تصريف الأعمال لمدة ٨ أشهر و24 يوماً أي بإجمالي ١١ شهراً من التعطيل – بسبب “الكباش” السياسي بين الطرفين وشدّ حبال الحقائب الوزارية – من دون الخوض في مدى إنتاجية هاتين الحكومتين.
أما بعد هذه المرحلة، فتشكلت حكومة حسان دياب في ٢١/١/٢٠٢٠ بعد ٣ أشهر على استقالة حكومة الحريري تحت ضغط الشارع ونالت الثقة في 11 شباط. دام عمل هذه الحكومة 6 أشهر قبل أن تستقيل أيضاً تحت ضغط الشارع بعد انفجار 4 آب.
بعد إستقالة حكومة دياب في ١٠/٨/٢٠٢٠، تعطّل عمل مجلس الوزراء بعد تلكؤه عن تصريف الاعمال بالتزامن مع “التهرّب” من تشكيل الحكومة عبر الشروط والشروط المضادة بين عون والحريري وحرق الأسماء الأخرى كالرئيس المكلف السفير مصطفى أديب، فيما اللاعب الاساسي أي “حزب الله” لم يضع ثقله لحلحلة هذه الشروط.
مرت سنة تقريباً وما زلنا من دون حكومة لتصبح مدة التعطيل سنة و 11 شهراً من أصل نحو ٤ سنوات و9 أشهر، أي تقريبا ٤٠٪ من زمن العهد القوي حتى الآن كان بلا حكومة فاعلة من دون ان ننسى مخاض التعطيل الذي دام سنتين ونصف من أجل وصول عون الى بعبدا.
بناء على ما تقدم، أياً تكن نتيجة الاستشارات ولو أفضت الى تكليف الرئيس نجيب ميقاتي شريك الحريري في نادي الرؤساء، ولو تمّ بـ” سحر ساحر” حل كل العقد التي حالت دون نجاح الحريري بتشكيل الحكومة – والأصح “سحر فاجر” تلذذ طيلة 9 أشهر بالانهيار المميت الذي يفتك باللبنانيين ولم يرف له جفن لتسهيل التشكيل- تبقى هذه إستشارات “هدر الوقت” لأنه حتى لو شكّلت حكومة فستكون حكومة “هدر الوقت” بين ولادة بيان وزاري ونيل الثقة والدخول في زمن الانتخابات النيابية المزمع عقدها في آذار المقبل وفي افضل الاحوال حكومة “ابرة مورفين” في بلد قد يسقط overdose.