مجتمع

منازل زعماء الماضي الفارغة… رسالة إلى زعماء اليوم: هذا العزّ زائل

لا تزال بيوت “زعماء” القرن الماضي الراحلون قائمة، وشاهدة على تلك الحقبة السياسية، فتذكّر ما بقي من كبار السنّ بأحداث وقصص لا تعرفها الأجيال الجديدة، لكنّها تؤكّد أنّ “الجاه والسلطة زائلان ولن يدوم إلاّ فعل الخير، فلو دامت لغيرك لما وصلت إليك…”.

كثير من الأهالي يستذكرون أولئك الرجال من الزعماء، عند متابعتهم أخبار “زعماء” اليوم وغيرهم من الناشطين على الساحة السياسية والعلمية لهذا الجيل من اللّبنانيين… فتسمع العديد من كبار السنّ يقارنون بين زعماء اليوم ورجال الماضي القريب. أمثال النائب والوزير السابق علي بزي، ورئيس مجلس النواب السابق أحمد الأسعد أو نجله الرئيس كامل الأسعد، أو حتى رجال الدين الكبار أمثال السيد محسن الأمين والسيد عبد الحسين شرف الدين وغيرهم…

أين كان يسكن هؤلاء؟، وكيف كانت منازلهم؟، وكيف هي الأن؟ ..

في إحدى تلال بلدة الطيبة “مرجعيون”، المشرفة على القرى والبلدات المحيطة، يقبع منزل كبير مهدّم، تتناثر بعض حجارته في باحته الواسعة، يطلق عليه أبناء البلدة اسم “العمرة”، نسبة إلى أنه “كان بيتًا عامرًا بالأهالي والوافدين من كلّ حدب وصوب”، هو منزل “البيك”، كامل الأسعد، ووالده أحمد، الذين توارثا الزعامة السياسية، وكانا رئيسين لمجلس النواب.

هذا المنزل المهجور إلاّ من بعض الصبية، مشرّعة أبوابه، تتنقّل بداخله من دون أن يعترضك أحد، من دون موعد أو “واسطة”، لم يبقَ من العزّ شيئٌ، ولا يعني مشهد هذه الدار شيئًا للأجيال الجديدة، لكنّ الأمر مختلف جدًا عند كبار السن. الذين يتذكرون منزل رئيس مجلس النواب السابق، بعضهم يتأسف والبعض الآخر يسخر من “هذا العزّ الزائل”، فيقول أحدهم “كان أبناء المناطق يأتون إلى هنا سيرًا على الأقدام، حاملين رايات المبايعة، مردّدين الهتافات المؤيّدة للزعيم، كما يحصل اليوم للزعماء الجدد”، في إشارة إلى أنّ “ما حصل لهذا المنزل سيحصل لمنازل جميع الزعماء”. ويذكّر آخرون بـ “نساء القصر المحاطات بالخدم والحشود التي تجتمع في الباحة الخارجية بانتظار إطلالة البيك”. لكن أحد أبناء الطيبة اليوم يشير بأصبعه إلى المنزل ويقول “ماذا لو قرّر الزعماء الخروج من قصورهم والجلوس بين الناس، وتقديم الخدمات المجانية لهم ويؤسسون لدولة المؤسسات، ألا تبقى ذكراهم خالدة، ألا تصبح قبورهم مزارات للأجيال اللاّحقة؟”. يذكّر أنّ كامل الأسعد تولّى منصب رئاسة مجلس النواب ثلاث مرات مختلفة، ويصل مجموع فترة رئاسته إلى 14 سنة و9 أشهر. والده أحمد الأسعد الذي ترأس بدوره مجلس النواب وتولّى عدّة وزرات.

منزل الوزير والنائب السابق المرحوم علي بزي المشيّد عام 1932 داخل الساحة القديمة في بنت جبيل، قرب الجامع الكبير القديم، حيث دفن الراحل، ما زال بناؤه قائمًا، وقد تمّ ترميمه بعد ما لحقه من القصف في عدوان تموز عام 2006، لكنه فارغ من الأهالي، حتى أنّ “الأجيال الجديدة لا تعرف صاحب الدار، أو حتى أيّة معلومات عنه، رغم أنّ هذا المنزل كان مركزًا للعمل السياسي في المنطقة حتى أواخر تسعينيات القرن الماضي، ومحجّة يقصده المئات من طالبي الخدمة والمصلحة” يقول أحد كبار السنّ في بنت جبيل، مبينًا أن الوزير السابق ولد عام 1912 وانخرط في العمل السياسي باكرًا وسجن مع رجالات الاستقلال في قلعة راشيا عام 1942، لكن فترة سجنه طالت حتى 22 شهرا. انتخب بزي نائبًا عن بنت جبيل عام 1951 وبقي حتى عام 1964. وقد عيّن وزيرًا للداخلية عام 1959 ثم للصحة عام 1961 ثم سفيرًا في الكويت وبعدها سفيرًا في الاردن. وقد بقي منزله مقصدًا لأبناء المنطقة وغيرها حتى وفاته في العام 1985.

غابت الضجّة عن الدار، وغاب معها المؤيدون والمصفقون وحاملو الرايات الحزبية، وانتقلت إلى مكان آخر. هناك، “ذهبت مظاهر الحياة برحيلهم” يقول أبو علي الرجل الثمانيني، ويشير إلى أنّه “في هذه الدار كانت تعقد حلقات الدبكة وتوزع القهوة ويلتقي المحبون، كلّ شيء كان مؤمّن، حتى المنامة للغرباء، فقد خصّص الطابق السفلي لراحة الوافدين”.

يذكر كبار السن في بنت جبيل أنّ “هذا المنزل كان مزارًا لجميع المسؤولين والمواطنين، وكان منطلقًا للثوّار في فلسطين، وفيه كانت تعقد الحلقات الأدبية والسياسية، وعند الانتخابات يصل عدد الحشود إلى 10 آلاف شخص تقريبًا”.

 

بلدة بليدا ( بنت جبيل), كان يسكنها سعد الدين فرحات الذي عرف بزعامته الإقطاعية النابعة من النفوذ السياسي والأملاك العقارية الكثيرة، والذي كان له دارًا واسعة آنذاك، يستقبل فيها زواره، ويحيي فيها السهرات الدائمة… بينما كان أبناء منطقته من المزارعين الفقراء، “الذين ينتظرون المناسبات العامة التي يحدّدها الزعيم لزيارة الدار وتناول الطعام اللّذيذ، حتّى أنّه بعد مقتل فرحات حضر المئات من الأهالي للعزاء وتناول الطعام، لترك المنزل فارغًا ومهملًا ، لا يقصده إلاّ أصحابه”.  ولا يتناول الأهالي اليوم إلاّ حادثة مقتل سعد الدين “عندما تمّ اقتحام المنزل من عدد كبير من أبناء البلدة واشتركوا في قتله بسيوف البابير، قيل أنّه بسبب الظلم الذي تعرّضوا له، وقيل أيضًا أنّه بسبب تحريض سياسي”، لكن دارة سعد الدين فرحات، فارغة اليوم وجزء منها مهدّم، وتحتاج إلى الترميم.

 

داني الأمين

داني الأمين

صحافي وباحث. حائز على اجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى