مهاجم “الصفاء” شبل هرموش لـ”أحوال”: اللعبة أصبحت رهينة الأحزاب
"الحرب وغياب الفيديو خانوا لاعبي زماننا"
رجل خلوق ومتواضع وكريم النفس قبل أن تغوص معه في مسيرته مع كرة قدم؛ وفي فنيات اللعبة يمتلك القوة الجسدية ودقّة التسديد. تنقّل مرّات عديدة بين الدراسة وكرة القدم والعمل، حتى استقرّ به الرأي بأن يهجر اللعبة ولا يتابع في مجال التدريب أو الإدارة، ليلتفت إلى عمله في عالم الفنادق والعقارات. هو لاعب “الصفاء” و”الأنصار” شبل هرموش.
حكاية شبل هرموش مع الساحرة المستديرة بدأت من مدرسة “فيكتور طراد” في الشويفات ومن ثم مدرسة الجامعة الوطنية في عاليه، إذ لعب إلى جانب زملاء له يذكر منهم الشيخ بهيج أبو حمزة (أمين عام اتحاد كرة القدم في ما بعد)، بعد ذلك اصطحبه شقيقه الأكبر إلى نادي الصفاء حيث تعرف إلى “العم” أسد علامة -كما يحب أن يطلق عليه هرموش- وذلك عام 1961 حيث عومل معاملة الإبن مع أبيه وتعلّم أصول وتقنيات اللعبة على يدي علامة، وكان يعشق اللعب في مركز قلب الهجوم ولديه شغف كبير بهزّ الشباك.
بعد سنوات قليلة وبعد أن اشتد عوده، ارتقى هرموش إلى الفريق الأول، ويذكر أول مباراة لعبها كانت على المدينة الرياضية في مواجهة الزمالك القاهري عام 1969. وكرّت السبحة ولعب أمام فرق بلغارية ورومانية وألمانية شرقية، وفي عام 1971 شارك مع “الصفاء” في دورة نظمها نادي “النجمة”، ويومها تحامل على إصابة في ابهامه بعدما تلقى 3 إبر على يد د. بشارة الدهان، ولعب مباراة من العمر أمام الهومنمن وسجل 3 أهداف حتى الدقيقة 38 من الشوط الأول، قبل أن تنتهي المباراة بالتعادل 3-3. بعدها، غادر إلى بلجيكا بطلب من صديق شقيقه المقيم في سويسرا والذي يدرس معه في نفس الجامعة، وبالفعل أجرى هرموش اختبارًا مع فريق “سيركيل بروج” ولكنّه فضّل عدم البقاء بعدما شعر بالوحشة والرهبة نظرًا إلى بعد مدينة “بروج” عن العاصمة بروكسل قرابة 110 كلم، وآثر العودة إلى سويسرا لإستكمال دراسته الجامعية في الجامعة الأميركية، وبعدها أتته الموافقة لمتابعة دراسته في الولايات المتحدة، لكن والده الشيخ حسن هرموش رفض حصول هذا الأمر، فعاد بعدها شبل للوقوف إلى جانب الوالد في الأمور المهنية.
عام 1973، أقام الشيخ حسن أول دورة أضحى على ملعب “الصفاء” بمشاركة الأندية المحلية، ويومها تُوّج شبل هدّافًا بعد أن هزّ شباك “النجمة” 3 مرات و”الحكمة” مرّتين و”الراسينغ” مرّة. ويذكر في حديثه لـ”أحوال” أنه طلب من الشيخ غازي علامة أن يقدّم له درعًا تذكارية، فنزل عند رغبته وتم منحه هذا الدرع.
إلى دبي سر
يتابع هرموش سرده لموقعنا قائلًا: “عام 1975، تواصل شقيقي مع الشيخ مانع آل مكتوم، رئيس نادي النصر الإماراتي، وعرضني عليه فوافق الشيخ بأن ألعب لناديه، وبالفعل قضيت موسمين جميلين وخضنا مباراة لا تُنسى عام 1976 أمام “أرسنال” الإنكليزي في دبي، كما دافعت عن ألوان منتخب الإمارات العسكري وحاولت البقاء هناك والحصول على الجنسية، إلا أن الأمر لم يصل إلى الخواتيم السعيدة بسبب صدور قرار يمنع التعاقد مع اللاعبين الأجانب”.
بعدها، عاد هرموش أدراجه إلى بيروت وحاول العودة إلى “الصفاء”، لكن رحيل الشيخ أسد علامة عن إدارة النادي بعد خلافات نشبت بين الطرفين حالت دون عودة شبل الذي كان متعلقًا بعلامة إلى أقصى الحدود، إذ يعتبر في الوقت عينه أن “إدارة الصفاء كانت “تتكبّر وتتعالى” على الكثير من اللاعبين، ولولا حب هؤلاء اللاعبين وولائهم المطلق للشيخ أسد علامة، لما ضحوا وتعالوا على جرحهم كرمى لعين علامة الذي كان “الأب الحاضن” لأولاده”.
أما في عام 1979، ففضّل الانتقال إلى نادي “الأنصار” بعد صفقة تبادل بينه وبين وليد زين الدين الذي قدم إلى “الصفاء”، حيث كان هرموش قد بدأ بالإشراف وتسيير أمور فندق والده “لو بوريفاج”، وقد شعر بالسعادة في “الأنصار” تحت إشراف المدير الفني عدنان الشرقي الذي تعلّم منه الكثير من النواحي الفنية والتقنية، إلى جانب الأمور الإنسانية التي أثرت بشكل خاص في حياته حتى اليوم، وهو -بحسب رأي هرموش- إنسان لا يتكرر على الصعيد التدريبي والفكر الكروي الذي يملكه.
ريع كتابه إلى المحتاج
اختتم هرموش مسيرته الكروية عام 1982 بمباراة على ملعب بحمدون، وسجّل يومها هدفًا في مرمى “التضامن بيروت”. ويذكر أنه خاض مباراة دولية وحيدة مع المنتخب الوطني أمام العراق مطلع السبعينات، والسبب هو أن رئيس نادي “الصفاء” أمين حيدر كان يقف في وجهه ويفضّل لاعب آخر عليه ويرشحه للمنتخب دومًا بدلًا منه.
ويأسف هرموش على لاعبي زمانه وجيله الذين أضحى الكثير منهم في يومنا هذا يعاني من الفقر والعوز، والبعض لا يجد قوت يومه، ويقول لـ”أحوال”: “لو أن لاعبي اليوم كانوا في زماننا لوقفوا على “الزيح” يتفرجون ويستمتعون بنجومية لاعبي الزمن الماضي، إذ كان من الصعب أن يجدوا مكانًا لهم بينهم، ولكن “الحرب وعدم وجود أشرطة الفيديو خانونا وغدروا بنا، وإلا لكان معظم اللاعبين قد وجدوا طريقهم للاحتراف”، بحسب تعبيره.
هذا ويأسف هرموش للحالة التي وصل إليها فريقا الهومنمن والهومنتمن اليوم، ويعتبر غيابهما عن ساحة “الدرجة الأولى” خسارة بحدّ ذاتها.
الفضل للوالد
يدين هرموش بالفضل لوالده الشيخ حسن الذي أسّس “إمبراطورية” من الفنادق جعلته يعيش برفاهية ولا يلقى مصير غالبية لاعبي زمانه، وهو بالمناسبة يأسف لحالهم ويعتبر نفسه بخدمة من يستطيع أن يخدمه، ويقوم بمدّ يد العون ومساعدة بعض اللاعبين ماديًا، كما يسعى بعد فترة حين يطلق كتابًا يروي سيرة حياته من إعداد الزميل إبراهيم وزنة، بأن يخصّص ريع مبيعات هذا الكتاب إلى بعض اللاعبين القدامى الأكثر عوزًا وفقرًا، لافتًا في حديثه إلى أنه “لو كان الحارس الراحل عبد الرحمن شبارو لا يزال على قيد الحياة، لكان له نصيب من هذا الريع، إلى جانب حارس مرمى الراسينغ السابق بسام همدر الذي يعاني حاليًا من مرض مزمن”، كما يفتقد هرموش أعزّ النجوم الذين عاصرهم أمثال شبارو ويوسف الغول ومحمد قاسم وسواهم.
اللعبة رهينة الأحزاب
من جهة أخرى، يرى هرموش أن اللعبة اليوم أصبحت سلعة بيد رجال السياسة وزعماء الأحزاب الذين أتوا بأشخاص لا يفقهون بقوانين اللعبة وسلّموهم إدارتها، “وهذا الأمر إن استمر لن يطور اللعبة ولن يخدم مستقبلها، لأنها أصبحت صناعة عالمية ولم تعد مجرد مباراة تسعين دقيقة”، بحسب قوله، مضيفًا: “للأسف بعض زعماء الأحزاب السياسية والطائفية قاموا باستقدام من كانوا خلف المتاريس وبين المحاور أيام الحرب الأهلية ووضعوهم في مناصب عديدة في قلب كيان الدولة، ومن بين ذلك اتحاد كرة القدم، في حين نجد من يفهم باللعبة وسبق له أن مارسها -لاعبًا أو مدربًا أو إداريًا في ناديه- يقف بعيدًا ويكتفي بمشاهدة “نحر” اللعبة تحت ناظريه، ولا يحق له التقدم لبناء مستقبل واعد لكرة القدم وللاستفادة من خبرته الطويلة”، مشيرًا إلى أن هناك “أسماء عديدة ينبغي الاستعانة بها -لا مجال لذكرها جميعها- ولكن على سبيل المثال أذكر راشد دوغان وعدنان بليق وجمال الخطيب ومحمد الأسطة وغيرهم الكثير”.
وإذا ما كان هو يرغب في العمل الاتحادي أو تسلّم الأمانة العامة ، يقول لموقعنا: “أنا مش فاضي” وأنا افتخر بالمناسبة بأنني أعتبر نفسي “عابرًا للطوائف”، ولكن إذا سنحت لي الفرصة سأخدم اللعبة بكل طيب خاطر ومن دون مقابل، رأفة باللعبة واللاعبين وسمعة بلدي لبنان”.
أما بالنسبة لمركز الأمين العام، فيعتبر هرموش أن رهيف علامة أبرز من عمل بجد وتفانٍ لمصلحة كرة القدم وكان يطبّق القرار الذي يمليه عليه ضميره ولا يلتفت إلى الزعيم الفلاني أو إلى مسؤول حزبي ما، لأنه رفض أن يكون “حجر شطرنج” بيد أي شخصية سياسية، “وهذا هو عين الصواب سواء اتفقت مع علامة أو اختلفت معه”.
حادثة في البال
يروي لنا هرموش في الختام عن حادثة بقيت في ذهنه، فيقول: “كنت خلال أيام الصيف أشارك مع منتخب الطريق الجديدة تحت قيادة المرحوم صبحي أبو فروة في دورات شعبية على ملعب أرض جلول، وفي إحدى المباريات عام 1974 وصلت طائرات حربية إسرائيلية وحلّقت فوق الملعب، وما هي إلا لحظات حتى قامت بقصف استديو بالقرب من منطقة صبرا، ففرّ كل من في الملعب خوفًا من أصوات الصواريخ، وكانت بعض الكؤوس موضوعة على طاولة في الملعب، فالتفتُّ إليها ولكنّني فوجئتُ بأنها قد سُرقت، واختلط الحابل بالنابل وتفرّق كل من كان موجودًا هناك من دون استكمال اللقاء وتسلّمي كأس هدّاف الدورة”.
سامر الحلبي