مجتمع

جورة عملاقة في زوق مكايل… زحمة سير ورائحة مجارير وبرغش

“إبتسم أنت في زوق مكايل”، عبارة كتبت على مداخل هذه المدينة المتعددة، التي انتُخبَت بلديتها في ما مضى “أعرق بلدية في الشرق الأوسط وأرقاها”… لكنك عمليّاً لا تلمس شيئاً من الابتسامة والعراقة والرقي، إلّا إذا قرأت في كتاب الأحلام… ولكن هنالك فرق كبير بين الأحلام وأرض الواقع…

فالواقع يُبرهن أنّك وأنت تمشي على طريق زوق مكايل البحرية المواجهة لشركة الكهرباء، وسط حَي ملوّث برائحة الفيول ومهدّد بإشعاعات التوتر العالي، لا يمكنك إلّا أن تضغط على منخرَيك لعلّك تنجو من رائحة نتنة منبعثة من هناك… تقترب أكثر لتعرف مصدرها، فتلاحظ أنك أمام جورة كبيرة في وسط الطريق البحرية تتخطّى مساحتها الـ 5 م2، مُسَوّرة بعائقين من النايلون، ومُزدانة بقضبان الحديد التي تمدّ أعناقها مزهوّة بصلابتها الخارقة…

“هذه الجورة لم تكن هنا قبل ثلاثة أشهر فقط، بل هذه المشكلة تتكرر كل سنة”، هذا ما يفيدك به أحد سكان الحَي، وهو صاحب محل حدادة وبويا مواجِه لشركة الكهرباء، ويضيف: “إنها تَنحفِر وتنرَدِم سنوياً، مع ما يرافق ذلك من مآسٍ على المواطنين الذين يسكنون هنا والذين يمرّون بسياراتهم: عجقة سير ورائحة مجارير وبرغش… كل هذه الموبقات تؤدي الى دمار الكائن البشري في هذه المنطقة…”. 

وتسأله: ألم ترفعوا شكواكم الى بلدية زوق مكايل بعد؟ فيجيبك: “البلدية تشتغل هنا “عا قد ما بتِقدَر”، ولكن عندما تهطل الأمطار تنفجر أماكن معينة على هذه الطريق البحرية من ضغط المياه، ويتدفق نهر أدونيس مع الوسَخ والقَرف ويصبّ بـ”شلالات مياهه” على هذه الطريق… للأسف إنهم لم يجدوا حلاً لهذه الحفرة على رغم تَتالي السنوات…”. وتعود لتسأله متعجباً: وكيف “يُدَبِّر” سائقو السيارات أنفسهم على هذه الطريق؟ فيجيبك، بعد أن يطلق ضحكة مدوّية، “بما أنّه لا أضواء في الليل على هذه الطريق، فإنّ حوادث سير كثيرة وخطيرة تحصل هنا، خصوصاً للغرباء الذين لا يعرفون “مصائب” المنطقة اليومية، لا سيما أنّ قضبان الحديد ظاهرة أمام الحفرة وتمتد مسافة غير قليلة نحو ما تبقى من الطريق…”.  

Photo by: Tony Trad

تتركه لتمشي قليلاً أمام هذه الحفرة، وتُسَرِّح نظرك بعيداً عنها لعلك تكتشف بعض الرُقِيّ، فتلاحظ أنّ هناك مساحات متفرقة على هذه الطريق “مُزَيّنة” بحفر صغيرة وكبيرة، فالمنطقة هنا فعليّاً على الحدود بين زوق مكايل وزوق مصبح، وهي تمثّل نموذجاً صارخاً للاهمال الموجود في الأحياء القريبة من شركة الكهرباء، فلا تروتوار مشغول بطريقة جيدة، ولا درابزين، ولا طرقات…

تعود أدراجك وتتفرّج على المحلات المتعددة التي تتوزّع على جانبَي هذه الطريق، فتلاحظ أنها تعجّ بالعمّال والزبائن، فتقترب من صاحب أحد الكاراجات، وتسأله: هل من الممكن أن يحدث تحرك شعبي كي تعالج هذه “المصائب” جذريّاً ؟ فيبتسم ويجيبك جازِماً: “ممنوع علينا التحرك الشعبي في وجود وباء كورونا… والكل خائف من التجمّع والاختلاط…”. 

تستوضح الأمر من مواطن آخر يسكن في شقة مقابلة للحفرة، فيشرح لك: “هذه الحفرة اشتغلوا فيها 5 مرات، لكنهم، ولفرط حَذاقتهم، وضعوا قسطلاً تحت الأرض متل كوع S، ولم يُمدّدوه كما يجب مخافة أن يأخذوا مساحة من محلّ لأحد أعضاء البلدية… فليتفضّلوا ويحفروا الطريق، ويُنشِأوا لها قناة مستقيمة، لكي يرتاح الشعب الساكن هنا من هذه الموبقات اليومية… ولا يطمأنوا الى أننا اعتدنا على روائح المجارير والمياه الآسنة، وأصبح لدينا مناعة… قبل 6 أشهر إشتغلَت بلدية زوق مكايل في هذه الحفرة، وعالجتها “مِن قَريبو”، فصمدت شهراً واحداً، ثم عادت المصيبة الى البروز مجدداً… وفي كل مرة يعقدون العزم على تأهيلها يأتون برمل وبحص وكيس ترابة واحد، “فيلَوّنو” فيه البَحصات والرملات ويصبّوا أرض الأوتوستراد… علماً أنه أمام هذه الحفرة بـ 10 أمتار هناك قسطل مياه مكسور، ومنذ 6 أشهر أتت شركة المياه وحفرت الطريق وأصلحت القسطل ولم تستبدله بآخر، ثم ردمت فوقه، و”على الدنيا السلام”…

أمام هذا الواقع المتردّي، والذي لا يمكن السكوت عنه، تتصل برئيس لجنة الاشغال في بلدية زوق مكايل طوني فواز، لعله يقول لك ما يُثلج قلبك، فيقول: “نحن نتابع هذا الموضوع مع وزارة الأشغال، لكن لا نتيجة الى هذه الساعة… وزارة الأشغال تتهرّب من مسؤولياتها مع أنّ الأمر هو من اختصاصها وليس من اختصاص بلدية زوق مكايل التي اهتمّت بهذه الحفرة غير مرة”… 

أمّا عن مشكلة مياه الأمطار الغزيرة وتجمّعها على طرقات زوق مكايل التحتية، خصوصاً الطرقات المقابلة لشركة الكهرباء، فأوضح طوني فواز: “إنّ الشعب الذي يسكن هناك يجب عليه أن يطرح شكواه على بلدية زوق مصبح وعلى وزارة الأشغال، ومن المعروف أنّ مجرى المياه ضيّق في تلك المنطقة، ولا يستطيع استيعاب كميّات المياه المتدفقة من مناطق جعيتا وزوق مصبح ويسوع الملك، ويجب على وزارة الأشغال توسيع هذا المجرى، وهذا الأمر يلزمه اعتمادات ومحطات تكرير وأموال كثيرة، وبالتالي لا تستطيع بلديتا زوق مصبح وزوق مكايل القيام به…”.     

مع “تَضارب المصالح” بين وزارة الأشغال وبلديّتي زوق مكايل وزوق مصبح على مَن يُصلِح هذا الخطر اليومي الذي تخطّى شهره الثالث، يبقى المواطن الكسرواني عالقاً بين أزماته الحياتية اليومية المَعيوشة وبين ما استجَدّ عليها من أزمات طارئة، وتبقى “يده على قلبه” وهو يقود سيارته على الطريق البحرية المواجهة لشركة الكهرباء، كي لا يسقط في جورة مياه آسنة، أو تتجَرّح سيارته من “شِلف” الحديد الذي يتباهى بطوله، غير آبه بخوف السائق منه ومعاناته اليومية من الحفر والجوَر.

طوني طراد

طوني طراد

كاتب وصحافي لبناني. حائز على ماجستير في اللغة العربية من الجامعة اللبنانية. صدر له عدة دراسات سياسية وأدبية ابرزها كتاب "صورة المرأة في شعر ميشال طراد".

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى