منوعات

“الانتخابات المبكرة” بين “الواجب” الأرمني و”التذاكي” اللبناني

في الأنظمة الديمقراطية تشكّل الإنتخابات النيابية المبكرة المخرج من الأزمات غير العادية متى إستنفدت كل الحلول، إذ يتم الإحتكام الى المواطنين عبر صناديق الإقتراع لإعادة إنتاج السلطة كي تتحمل مسؤولياتها ويتحمّل الشعب تبعات خياراته.

في العام 2020، شكلت أرمينيا كما لبنان بقعة ملتهبة في العالم. فأرمينيا خاضت جولة جديدة من الصراع التاريخي مع أذربيجان حول أرتساخ ( إقليم ناغورني كاراباخ) بدءاً من 27 ايلول. انتهت الحرب التي حصدت أكثر من 6 آلاف ضحية بالتوصّل الى وقف لإطلاق النار في 9 تشرين الثاني عبر إبرام إتفاق بين الطرفين برعاية موسكو كرّس هزيمة يريفان بتنازلها عن أجزاء من الإقليم ومساحات شاسعة من الأراضي المجاورة التي تسيطر عليها وفوز باكو بمكاسب ميدانية ملموسة ونشر قوات حفظ سلام روسية لضمان إستدامة نظام وقف إطلاق النار بين طرفي النزاع.

أما لبنان الغارق في أزمة مالية – إقتصادية مرفقة بارتدادات إجتماعية وصحية وتربوية كارثية صنفها البنك الدولي أخيراً أنها بين الأزمات الثلاث الأسوأ منذ منتصف القرن التاسع عشر، فشهد في قلب العاصمة بيروت بركاناً من “نيترات الامونيوم” التي انفجرت في المرفأ في 4 آب حاصدة أكثر من مئتي ضحية و6 آلاف جريح وخسائر مادية بملايين الدولارات ودماراً مخيفاً. الاشنع هو تنصّل الجميع من مسؤولياته: رئيس الجمهورية ميشال عون الذي تبلّغ بوجود هذه المواد قبل 15 يوماً إكتفى – بخبرته العسكرية – باجراء مراسلات روتينية، رئيس الحكومة حسان دياب قرّر زيارة المرفأ فور تبلغه بوجود المواد ثم تراجع، الوزراء المعنيون والمتعاقبون كما الأجهزة الجمركية والأمنية والعسكرية وإدارة المرفأ والجسم القضائي كل رمى الكرة على الآخرين.

في أرمينيا، إعتبرت شريحة كبيرة من الأرمن أن الإتفاق مع اذربيجان إتفاق انهزام. وفيما وصفه رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان بـ”المؤلم”، تباهى الرئيس الأذري إلهام علييف أنه أرغم يريفان على توقيع “وثيقة إستسلام” ترتدي “أهمية تاريخية”. فشهدت البلاد إضطرابات وإحتجاجات حاشدة تطالب باستقالة باشينيان وفي يريفان إقتحم المحتجون الغاضبون مقري الحكومة والبرلمان الذي تعرّض رئيسه أرارات ميرزويان للضرب من قبل المحتجين.

عمد باشينيان الى الرد بالشارع عبر تظاهرات لمناصريه وتحدّث عن “محاولة نقلاب عسكري” بعد أن قالت القوات المسلحة إنه يجب على حكومته الاستقالة وأطلق حملة إعتقالات ترافقت مع إقالات لكبار القادة العسكريين. لكن في نهاية المطاف، رضخ باشينيان (الذي كان زعيم الاحتجاجات الأرمنية التي أجبرت رئيس الوزراء سيرج سركسيان وحكومته إلى الاستقالة عام 2018 واوصلته الى الحكم في 8 ايار 2018) لإرادة الشعب وإستقال في 25 نيسان 2021 تمهيداً لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في 20 حزيران 2021.

تجدر الاشارة الى أن الدستور الارميني ينص على حل البرلمان إذا لم يتمكن النواب من إنتخاب رئيس الحكومة مرتين في غضون أسبوعين. ووفقاً للتشريعات الانتخابية في أرمينيا، يتم إجراء انتخابات مبكرة بعد مرور 30 يوماً على حل البرلمان وقبل إنقضاء 45 يوماً.

في لبنان، رغم إنسداد الأفق مع دخول المبادرة الفرنسية في “موت سريري” والفشل بتشكيل أي حكومة منذ 10 أشهر وحدّة الأزمة التي لا تقارن ليس بأرمينيا بل بأي دولة في العالم في ظل الإنهيار الدراماتيكي للعملة الوطنية وإرتفاع البطالة والفقر وسقوط الأمن الإجتماعي والصحي، ردّ “جهابزة” الحكم على المطالبات بإنتخابات نيابية مبكرة بأنها “لن تغير شيء في موازين القوى النيابية بين الأفرقاء السياسيين” وحسموا نتائج صناديق الاقتراع سلفاً.

وعلى عكس الدستور الأرمني، الدستور اللبناني صِيغَ بروحية “الغموض الهدام” حيث لم ينص على مهل زمنية للتكليف والتأليف حكومياً. كما أن حل مجلس النواب سُحب من يد رئيس الجمهورية في إتفاق الطائف عام 1989 بناء على التجربة التي خاضها العماد ميشال عون يومها. اذ وضعت المادة 55 من الدستور اللبناني هذه المسألة بيد مجلس الوزراء، ونصت على الآتي: “يعود لرئيس الجمهورية، الطلب الى مجلس الوزراء حل مجلس النواب قبل انتهاء عهد النيابة. وإذا قرر مجلس الوزراء، بناءً على ذلك، حل المجلس، يصدر رئيس الجمهورية مرسوم الحل (…)”. حتى أن هذا الطلب مشروط في المادة 65 من الدستور التي تقول: “حل مجلس النواب بطلب من رئيس الجمهورية، يكون إذا امتنع البرلمان لغير أسباب قاهرة، عن الاجتماع طوال عقد عادي أو طوال عقدين استثنائيين متواليين، أو في حال رده الموازنة برمّتها بقصد شلّ يد الحكومة عن العمل”.

كذلك، فقدان مجلس النواب لنصف نصابه أي استقالة 64 نائباً لا يسقطه لأن ثمة قانوناً أقرّ عام 1990 وحمل الرقم 11، حدّد نصاب مجلس النواب عبر إعتماد النواب الأحياء والموجودين فعلياً ضمن هيئته الراهنة، لا المتوفين أو المستقيلين.
ها هي أرمينيا الآتية نسبياً حديثاً الى النظام الديمقراطي – بعد إنهيار الاتحاد السوفياتي في 26 كانون الاول 1991 – تحتكم الى صوت الناس وتعتبر “الانتخابات المبكرة” واجباً لا خياراً وتنعم بقوانين تعزّز الانتاجية السياسية لا التعطيل، فيما لبنان للأسف أسير نهج ديمقراطي “مسخ” وسياسيين “متذاكين” وقوانين تعطيلية سنّت على مقاس حكامه وشارع مشرذم بكثرة الطروحات وتكبير الخطوات.

جورج العاقوري

صحافي ومعّد برامج سياسية ونشرات اخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى