منوعات

حجر عون في المياه الراكدة: تبرئة ذمة وضغط على الحريري

تعكس رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون الى مجلس النواب حجم المأزق الذي يحول حتى الآن دون تشكيل الحكومة، بحيث لم يبق أمام عون سوى مخاطبة المجلس والاستنجاد به، بعدما اخفقت كل المحاولات السابقة لدفع الرئيس المكلف سعد الحريري الى اعتماد واحد من خيارين، التشكيل او الاعتذار.
والرسالة التي تنطوي على محاكمة دستورية وسياسية متكاملة لسلوك الحريري منذ تكليفه ولغاية الآن، تؤشر إلى مستوى التدهور الذي وصلت اليه العلاقة بين عون والحريري، وسط قطيعة تامة وانقطاع كامل لكل أشكال التواصل، علما ان عون كان قد استبق الشكوى المرفوعة الى البرلمان برسالة مشتقة من النسيج ذاته الى رئيس الفرنسي مانويل ماكرون شرح فيها معاناته مع الرئيس المكلف، بينما لا يفوّت الحريري بدوره فرصة، خصوصا خلال زيارته الى الخارج، للتصويب على عون واتهامه بتعمد عرقلة الولادة الحكومية.
من حيث المبدأ، لا تملك الرسالة الرئاسية قوة تنفيذية او دستورية قادرة على تغيير المعادلات، وبالتالي فإن مفعولها لن يتجاوز، كما يتوقع البعض، حدود تأثير الحجر الذي يحرك المياه الراكدة ولكنه لا يستطيع ان يستولد منها طاقة.
وعليه، فإن المبادرة الرئاسية نحو المجلس النيابي لن تكون لها على الارجح مفاعيل عملية ومباشرة في اتجاه التعجيل بتشكيل الحكومة، بل هي تأتي بالدرجة الأولى في سياق سعي رئيس الجمهورية الى تبرئة ذمته من التعطيل وحض الآخرين على تحمل مسؤولياتهم في مواجهة “ميوعة” الحريري، وهي كذلك محاولة اضافية لزيادة جرعات الضغط على الرئيس المكلف لدفعه في اتجاه حسم أمره، سواء بتاليف الحكومة عبر الاتفاق مع رئيس الجمهورية او بالاعتذار عن استكمال المهمة وافساح المجال امام شخصية أخرى.
لكن يبدو ان الرياح في مجلس النواب لن تجري وفق ما تشتهيه السفينة البرتقالية، إذ ان هناك بين النواب من يعتبر ان اصل الرسالة غير دستوري كونه يتصل بمسألة تشكيل الحكومة وليس بقضايا يجيز الدستور لرئيس الجمهورية توجيه رسائل في شأنها، ثم ان الرئيس نبيه بري ليس مقتنعا في الاساس بجدوى الرسالة الرئاسية، لا مضمونا ولا توقيتا، وان كان قد أدى واجبه في الدعوة إلى جلسة لمناقشتها، وهو كان ولا يزال متعاطفا مع الحريري ومتمسكا به، كما ان اكثرية الكتل النيابية التي سمت الحريري لم تتراجع بعد عن دعمها له وليست في وارد سحب التكليف منه بمعزل عما اذا كانت هناك فتوى دستورية تجيز ذلك ام لا، وحتى الحليف الاستراتيجي لعون في الداخل، اي حزب الله، لا يزال مؤيدا لخيار الحريري حتى إشعار آخر.
ولعب تيار المستقبل وحلفاءه سيحاولون استخدام جلسة مناقشة الرسالة العونية كمنصة لشن هجوم سياسي مضاد على العهد، وتجديد الثقة في تكليف الحريري بعدما فقد كثيرا من زخمه تحت وطأة الوقت الضائع، في مسعى لقلب السحر على الساحر وإعادة الكرة الملتهبة الى قصر بعبدا، خصوصا ان الحريري لفت في رده الأولي عبر تويتر على الرسالة الى ان “للحديث تتمة في البرلمان.”
بالطبع، يدرك عون هذه الاعتبارات ويعلم ان خصومه سينصبون له الكمائن بين سطور الرسالة، والارجح انه وتياره يتحسبان لهذا الاحتمال ويستعدان لمواجهته، وهما سيحمّلان معارضي فحوى الرسالة المسؤولية عن كل دقيقة تأخير في تأليف الحكومة وسيلقيان عليهم تبعات الاستمرار في تغطية سلوك الحريري، على وقع مخاوف متعاظمة من تداعيات وخيمة اقتصاديا واجتماعيا، اذا استمر العجز عن التشكيل.
واذا كان الحربري يفترض ان الوقت حليفه في معركة الصلاحيات والادوار مع عون الذي دخلت ولايته في فصلها الاخير، فإن رئيس الجمهورية لن يتقبل التأقلم مع الأمر الواقع ولن يستسلم بسهولة لمعادلة البقاء من دون حكومة حتى نهاية الولاية او القبول بحكومة على قياس الحريري.
هل ستجد رسالة عون من يلتقطها ام ان هناك من يفضل انتظار الرسائل الخارجية حتى يبني على الشيء مقتضاه؟

عماد مرمل

اعلامي ومقدم برامج لبناني. حائز على إجازة في الصحافة من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. عمل في العديد من الصحف السياسية اللبنانية. مقدم ومعد برنامج تلفزيوني سياسي "حديث الساعة" على قناة المنار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى