قرار الإقفال أسقط ما تبقّى من هيبة الدولة اللبنانية
لا يمكن مقاربة أي ملف على الساحة اللبنانية مهما حظي بإجماع أو تكاتف أو تضامن، ومهما كان له آثاراً عامة، من دون مقاربته من الزاوية السياسية، ولا سيّما في عصر السوشيال ميديا، الذي تحولت فيه وسائطه الى منابر إعلامية متحللة من أي ضوابط، أو رقابة، وباتت فبركة الأخبار أسهل بكثير من عملية نفيها، كون النفي يصبح ايضا مادة سجالية لإخضاعه لمقياس الهوى والإنتماء والقناعات.
بموازاة الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، يحتلّ كورونا مرتبة متقدّمة في يوميات اللبنانيين، وفي ظل الارتفاع المطرّد لأعداد الإصابات بكوفيد 19، ارتأت الدولة اللبنانية، الإتجاه الى قرار إقفال المؤسسات الخاصة في كل المناطق اللبنانيّة بدءا من صباح الجمعة في 21 آب ولغاية السابع من أيلول”.
كان القرار أشبه الى تجرّع جرعات من السم، في ظل الأوضاع الاقتصاديّة الخانقة، وحالة الركود التي يمرّ بها لبنان من جهة، والمغامرة في إبقاء البلد مفتوحاً، وسط تنصل المواطنين من الالتزام بأبسط تدابير الوقاية ما ينذر بكارثة صحية، في حال تواصل انتشار الفيروس، بأرقام عالية، قد تعجز المستشفيات المنهكة عن استيعابها من جهة ثانية، وهذا ما أكده رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي من أن “المطلوب ليس الانتهاء من كورونا، انما إبطاء وتيرة تفشي الفيروس، لضمان الحفاظ على القدرة الاستيعابيّة للمستشفيات”.
منذ قرار الاقفال، كان هناك خشية من عدم التزام ، ولا سيما بعد التجربة الأولى من إقفال البلد، والتعبئة العامة التي شهدت خروقات وعدم التزام ولو بنسبة أقل بكثير مما هو الوضع عليه اليوم، ولا سيّما في ظل الاستثناءات التي مُنحت، وكرّست مبدأ “شو وقفت عليي”!
عاملان آخران الى جانب الوضع الاقتصادي، كرّسا حالة عدم الالتزام بالاقفال الذي يشير عراجي الى انه لا يتعدى ال 30 في المئة:
– فقدان المواطن الحد الأدنى من الثقة بالدولة اللبنانية وبقراراتها، الى درجة بات يشعر أن أي قرار تتخذه هو مؤامرة تستهدفه، وإما هو في الحد الأدنى ينمّ عن عشوائية في التعاطي، في غياب الخطط، والرؤية الشاملة، فضلا عن الشعور الموجود لدى غالبيّة كبيرة من اللبنانيين بلذّة ومتعة التذاكي على الدولة، أو ربما الانتقام منها حتى لو على حساب مصلحته وصحته.
أمّا العامل الثاني، فهو العامل السياسي، والذي أيضا شكّل مادة للاستغلال والاستفادة منه لإسقاط ما تبقّى من هيبة الدولة، وإظهار مدى ترهلها، عبر التحلّل من الالتزام من قراراتها، وامتطاء الظرف للتصويب على الفريق السياسي الذي أمّن الغطاء للسير بهذه الحكومة.
هو مؤشّر خطر، لا يمكن القفز عنه اليوم، خصوصا اذا ما تمّ ربطه بالظروف التي تحيط بلبنان، من شأنه أن يكشف المزيد من عورات جسد الدولة اللبنانية المتآكلة، في ظل فقدانها قوة تطبيق القانون، ومراعاة حسن سير والالتزام بمقرراتها وإجراءاتها، وهو يمكن أن يرتقي في حال صحّ التوصيف، الى “إنقلاب شعبي على المقرّرات الوزاريّة، وهي إذا ما اقترنت اليوم بالشأن الصحي والاقتصادي، يمكن أن تكون بوابة عبور، لمزيد من التحلّل في جسم الدولة اللبنانيّة.
إبراهيم درويش