وزير الإقتصاد يتراجع عن “خطئه” ويسحب “كتابه”… لكن ماذا عن حقوق المتضررين؟
تكاد تكون المرّة الأولى التي يتم فيها التدخّل بعمل القضاء، بشكل رسمي، وعبر كتاب رسمي موقّع من وزير، ولكنها بكل تأكيد ليست المرة الأولى التي تتداخل فيها السياسة والقضاء في لبنان، بل يمكن القول بعد قراءة كتاب وزير الإقتصاد راوول نعمة إلى المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت طارق بيطار بواسطة وزيرة العدل ماري كلود نجم، أن “مطلب الوزير” محقّ، بالمضمون، ومخالف بالشكل، وهذا أبرز ما ورد في الكتاب الموجه إلى المحقق بيطار: “نأمل من رئاستكم المحترمة إصدار تقرير رسميّ يُخرج الأعمال الحربية والإرهابية من دائرة الأسباب التي أدت إلى وقوع انفجار 4 آب 2020 لتمكيننا من إصدار التوجيهات والإرشادات المناسبة لهيئات الضمان اللبنانية ومخاطبة هيئات إعادة الضمان الدولية، لتسديد التزاماتها المالية حفاظاً على حقوق المواطنين المؤمنين”.
مخالفة في الشكل
في البداية لا بدّ من التوضيح أن الكتاب صادر عن لجنة مراقبة هيئات الضمان، وموّقع من قبل وزير الإقتصاد بصفته رئيساً لهذه اللجنة، وهنا يُجمع القانونيون على أن الكتاب مخالف للقانون، وتُشير مصادر قانونية عبر “أحوال” إلى أن الكتاب يشكّل مخالفة قانونية تصل عقوبتها إلى 3 سنوات سجن، بحسب قانون العقوبات في المادة 419 منه، مشددة على أن صدور مثل هكذا كتاب من قبل وزير، وبشكل علنيّ، يعتبر أمراً مسيئاً للغاية، للوزير وللقضاء اللبناني بنفس الوقت.
مطلب حقّ
منذ أيام مرّت ذكرى مرور 8 أشهر على انفجار مرفأ بيروت، ولم تنته بعد مهلة الأيام الخمس التي حدّدتها حكومة تصريف الأعمال لصدور نتائج التحقيق، ما جعل كل المتضررين رهينة هذه النتائج، إذ أن شركات التأمين تنتظر نتيجة التحقيق لتعرف ما إذا كانت ستدفع للمتضررين المؤمّنين أم لا، علماً أن مصادر مقربة من وزير الإقتصاد راوول نعمة، تكشف أن الفارق بين ما تدفعه الشركات بحال كان الإنفجار مجرد حادث، وبين ما تدفعه بحال كان السبب “عملاً حربياً أو إرهابياً، يصل إلى مليار دولار أميركي، وبحال كان السبب الثاني فإن ما يزيد عن 90 بالمئة من البوالص تسقط.
وتُضيف المصادر عبر “أحوال”: “منذ فترة اتهموا وزير الإقتصاد بأنه يحاول حماية مصالح شركات التأمين، واليوم يتّهمونه بالعكس تماماً، وكتابه هذا المُرسل بصفته رئيساً للجنة مراقبة هيئات الضمان، يشكّل دعوة للقضاء لحماية حقوق المتضررين، ولا يهدف بأي شكل من الأشكال إلى تضييع الحقيقة، ولا التدخل في عمل القضاء”، مشيرة إلى أن مسؤولين لبنانيين عديدين تحدّثوا مراراً عن ضرورة الكشف عن التحقيقات، وإصدار النتائج، مشددة على أن نعمة لا يعلم ما إذا كانت النتائج قد صدرت ولن تُعلن.
الكتاب “سحب” فماذا عن حقوق الناس؟
لا يشكّ أحد بضرورة أن يأخذ التحقيق مجراه في حدث ضخم كهذا، ولكن بنفس الوقت للبنانيين كامل الحق بأن يخافوا ضياع التحقيقات وتمييعها، ولهم في حالات مشابهة أمثلة كثيرة تجعل قلقهم بمحلّه، خاصة مع ورود معلومات كثيرة حول إخفاء نتائج التحقيقات رغم أنها أصبحت منتهية لدى المعنيين الذين باتوا يملكون الرواية الحقيقية لما حصل في مرفأ بيروت يوم الإنفجار.
تكشف المصادر المقربة من الوزير نعمة أن الكتاب سُحب أو بطريقه ليُسحب، على أن يتمّ تعديله بما يخدم هدفه، معتبرة أن من يريد التدخل بعمل القضاء لا يُرسل كتاباً رسمياً.