أحوال الشباب

هُزلَت بوك

يراود الإنسان  حينا” حب الإنعزال عن الآخرين ليقاوم وحيدا” جميع تفاهات العالم من حوله ويعلو بمقداره حتى يصل الى آخر غيمة من الواقع, فلا يقدر استكمال ترميم بناءه وحيدا”, لقرر العودة و الإنخراط مجددا” بمن حوله مستكملا” بناء حياته. فكما قال الشاعر عبد السلام الحمصي(ديك الجن):”من المحزن رؤية أولئك الأذكياء الرائعين تائهين في صفحات مواقع التواصل”. أتُشفي غليل عاقل قبلة والدته من هاتف محمول بدون لمس اشتياقها؟

هو ابن آدم, منذ مجيئه الى الدنيا يسأل, يراوده الفضول, يريد معرفة محيطه حبا” باستكشاف المعلومات ليدرب عقله اللاواعي على استقطاب أفكار مبعثرة. هو ابن آدم خُلق ليعي ما حوله, ليفهم ثم يتعلم ثم يُرَدّ الى أرذل العمر كأنه لم يتعلم. يبكي حين يكون طفلا” ليأكل. يولد انفعاليا” ثم يدرب نفسه على البرود.
ترى الناس اليوم بأغلبهم يغزّون أيامهم, وطرقاتهم يسقونها بهواتف أذكى منهم لتسيطر على عقولهم, ويضعون حياة بأكملها بين كفوف وسائل التواصل الإجتماعي دون وعي.
إن قرأنا كتاب “نظام التفاهة” لآلان دونو نستطيع عن قرب أن نلتمس ما وصلت إليه التفاهة في علاقاتنا مع هذه الوسائل (فيسبوك-انستاغرام…) التي لا يمكن نكران تأثيرها على واقعنا الذي نعيشه اليوم. حيث أنك تشعر بأن كل العالم أهلكَ, لكنك أضعت أهلك الحقيقيين. هذا الواقع المزيف المنحصر بحياة غير واقعية عبر مواقع التواصل تشدنا كل يوم كمجتمع منحصر الى أسفل القاع لأننا لم نعلم الى الآن الهدف الأسمى منها.
حين تفتح موقع كفيسبوك مثلا”, وتنتقل من واقعك الى مجتمع خيالي لا يمس الواقع بصلة. فترى مثلا” فلانا” يعزي بأبيه عبر صورة وعبارات منمقة ليرد فلان آخر عليه التعزية. فتشعر وأنت تمرر اصبعك لتتخطى هذا “البوست” بأنك متألم لأمرين, للأب الذي أراد لإبنه أن يبكيه في بيته, وللحياة الواقعية التي أصبحت خيالا” والخيال أصبح واقعا”. فكيف لقلوبنا أن تعزّى بالفقدان من خلال “بوست مواسات فيسبوكي”.
كيف تكون الكذبة حقيقية من خلال موقع إلكتوني. موقع  يمكّننا من الكذب على بعضنا وأنفسنا قدر ما نشاء, ونلمّع صورتنا زورا” إلى أن نشاء. نكذب على الآخرين بمشاعر مزيفة دون أن يستطيع إدراك إحساسنا الداخلي المختبئ وراء الشاشة.
كيف لنا أن نلتمس شعور الفقراء عبر صورة منتشرة على الفيسبوك أو ما شابه من مواقع التواصل.
ذلك عدا عن احتمالية ظهور الفنانين والفنانات المشهورين إلكترونيا”, والذين لا يمتون للفن بصلة سوى أن رواد مواقع التواصل يتفاعلون معهم. العاقل لا يساعد في اشهار الأغبياء, بل يساهم في نشر الوعي عبرها. وما أكثر الأغبياء ساعة تفتح هاتفك لتقرر التصفح على إحدى هذه المواقع فتستفزك كثرتهم لتلقي بهاتفك بعيدا” وتلعن كل من قفز الدرج قفزا” دون علم الى أين يتجه.
ويبقى لكم أنتم, أيها الأذكياء الرائعون, تذهبون ضحية حالة اجتماعية غير واقعية ولا تستطيعون فعل شيء لأن أولئك الأغبياء لا يسمعونكم. اصعدوا الدرج سلما” تلو الآخر ثابتين لأن العالم لم يبقى له سواكم كي يكون أجمل.

يحدث حين ترى ما حولك سخيفا” أن تتصنع طباعا” جديدة تتلاءم مع هذا الكم من التفاهة, فمبادئك التي كنت تنادي بها, ترميها بعيدا” الى لعنة التكلف. وتشعر بأن عليك الانضمام الى قطيع يعشق التكرار بلا معنى لتكرر أنت أكثر فأكثر, الى أن تصبح عبدا” لهذا التكرار من بوابة اسمها مواقع التواصل الاجتماعي. فكي لا تصيبك الخيبات والأرق من هذا كله كما الرصاص, عد الى موقعك الأول في واقع أصلي. الناس أحرار بفطرتهم, لكن لا يجوز قلب الخيال بالواقع.
فتخلّف.. تكلّف أن لا نختلف.

عبد الرحمن الحجيري

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى