ما يزال الفساد يعبث بمصير ومستقبل اللبنانيين، من السياسة إلى الاقتصاد وصولا إلى نواحي الحياة كافة، فيما أهل السلطة ومنظومتها وزبائنيتها أعجز من أن يديروا سوبرماركت، فكم بالحري دولة تكاد تندثر تحاصصا واقتساما لمصالح ومغانم، دولة شرعت الهجرة لأبنائها وصادرت مدخراتهم و”فجرتهم” بالإهمال والفوضى، وأذلتهم في طوابير أمام المصاف والمخابز ومحطات الوقود، وحولتهم جمهورا يستجدي “إعاشة” وعلبة دواء.
وفيما يدأب اللبنانيون بطرق شتى لتجنب غائلة الجوع والعوز بالتكافل والتضامن من جهة وبالتصدي لـ “حكم المصرف” تظاهرا في الساحات والثورة على الفساد والموبقات، تبقى ثمة شريحة من اللبنانيين متروكة لقدرها في بلاد الاغتراب، ولا سيما الطلاب الذين يتابعون الدراسات العليا في جامعاتها، في وقت ما عاد في مقدور ذويهم رفدهم بالعملة الصعبة بعد انهيار اللّيرة اللبنانية حتى بات مصير مئات لا بل آلاف الطلاب اللبنانيين في مهب الريح.
في هذا السياق، صدر “قرار أساسي عن مصرف لبنان حمل الرقم 13257″، لتأتي ردود فعل كثيرة من أهالي طلاب يتابع أبناؤهم الدراسة خارج لبنان، خصوصا وأن هذا القرار يهدّد مستقبل هؤلاء الطلاب، لا بل “يغتال” أحلامهم ومستقبلهم ويقضُّ آمال أهاليهم، مع عدم القدرة على توفير الأموال لتحصيل علومهم في الخارج أو الحصول على درجات علمية تؤهلهم للدخول في سوق العمل في لبنان وإعادة بناء هذا البلد، أو في الخارج للحصول على حياة كريمة.
موقف جمعية أهالي الطلاب اللبنانيين
وجاءت ردود فعل عدة على هذا التعميم، بداية من “جمعية أهالي الطلاب اللبنانيين في الخارج” عبر كتاب وجهته إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، طالبت فيه بإصدار تعميم يلزم المصارف بتحويل تكاليف التعليم من أقساط ومصاريف في الخارج، واعتماد سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة للدولار، انتهى الى اجتماع وفد من الجمعية معكم، عرضت خلاله المشكلة والمطالبة من اللّجنة بتحويل الأقساط والمصاريف على 1515 ليرة للدولار، بما يعادل 10 آلاف كحد أقصى، وتحرير التحويلات من الحسابات بالدولار لسداد الأقساط والتكاليف، وأن تكون التحويلات من حسابات التوطين والحسابات الجارية بالعملة اللبنانية الى الدولار بالسعر الرسمي 1515 ليرة للدولار، وأن يتوجه الذين لا يملكون حسابات مصرفية في المصارف الى الصرافين المصنفين، وإلزامهم القيام بالتصريف على سعر المنصة الإلكترونية في مصرف لبنان.
وفي هذا المجال، قال سامي حمية وهو عضو مؤسس في الجمعية لـ “أحوال”: “هذا التعميم يمس أكثر من 95 بالمئة من الطلاب في الخارج، مقدرًا عدد هؤلاء الطلاب بحوالي 10 آلاف طالب، 400 منهم يستفيدون من هذا التعميم حيث أن أهاليهم لديهم ودائع في المصارف”.
اقتراح قانون “الدولار الطلابي”
وأضاف حمية: “توجهنا إلى الكتل النيابية، ومنها كتلة الوفاء للمقاومة، بنص اقتراح قانون لتقديمه للمجلس النيابي، وهو ما اصطلح على تسميته بـ “الدولار الطلابي” يلزم المصارف بدفع 10 آلاف دولار على سعر 1515 ليرة لبنانية لجميع الطلاب اللبنانيين الجامعيين، الذين يدرسون في الخارج، وتم تقديمه إلى المجلس النيابي”.
وأشار إلى أن “المبلغ أي 10 آلاف تم اقتراحه لتتم الموافقة عليه، وشعورا منا بالأزمة الإقتصادية التي يمر بها لبنان، وتحملنا جزءا من العبء، علما أن هذا المبلغ لا يكفي أولادنا، وبالتالي اتجهنا لتحمل المصاريف الإضافية، ولكن بسبب عدم التئام مجلس النواب بسبب الأوضاع السائدة في البلاد من كورونا وأزمة اقتصادية وحادثة انفجار مرفأ بيروت الأخير تم تأجيل اقرار هذا القانون”.
وعن تعميم مصرف لبنان، قال حمية: “لقد نسف كافة الجهود المبذولة على مدى الأشهر الماضية، فقد توجهنا إلى السفارات، وقدمنا اقتراحات منها مساعدة الطلاب بخفض الأقساط، أو تأجيلها، وزيادة المنح، وتحويل الليرة اللبنانية مباشرة إلى العملات المحلية في الخارج، ليأتي تعميم مصرف لبنان الذي اعتمدت عليه السفارات لينسف هذه الإقتراحات وغيرها”، ولفت إلى أن “التعميم الأول الذي شمل الطلاب وحمل الرقم 5 بتاريخ 23/6/2020 وتوجه به الحاكم إلى نقابة الصرافين، بدفع 2500 دولار للطلاب بالإضافة لـ 1000 دولار بدل سكن، على سعر 3900 ليرة، والذي لا يلبي حاجات الأهالي والطلاب، ولا يحمي مستقبل الطلاب، علما أنه لم يحصل إلا 20 بالمئة من الأهالي على هذه المبالغ، كما أن الصرافين امتنعوا عن دفع المبالغ، بل ثمة حالات اضطر فيها الأهالي إلى التوقيع على مبلغ 3500 دولار، وحصلوا على 400 دولارا فقط، وهذا ما أشار إليه النائب الدكتور إيهاب حمادة في إحدى المقابلات وحول هذه الأمر للمساءلة القانونية”.
وأشار حمية إلى اننا “توجهنا لهذه الجامعات في الخارج وخصوصا في أوروبا الشرقية، هو لأنها جامعات حكومية وأقساطها سنويا بين 3 و5 آلاف دولار، وبين المصاريف اليومية وأجرة السكن وتكلف حوالي 7 آلاف دولار خلال 10 أشهر، كما وأن بطاقة السفر التي تصل إلى ألف دولار، أي أن المبلغ السنوي لكل طالب قد يصل إلى 12 ألف دولار وأكثر، ومن المتوقع أن تجتمع كتلة الوفاء للمقاومة ومن ضمن البنود التي ستبحث الدولار الطلابي”.
وناشد حمية “نواب الأمة دعم إقرار قانون الدولار الطلابي الذي يمس طلاب من كافة المناطق والمذاهب، ولجميع الطلاب دون تمييز، سواء كانوا من الجدد أو القدماء، أو من يملك منهم ومن أهاليهم حسابات سواء بالدولار أو بالليرة اللبنانية، ورفض تعميم حاكم مصرف لبنان، الذي اغتال أحلام هؤلاء الطلاب وآمال أهاليهم ورمى مستقبلهم نحو المجهول”.
هذا ونفذت لجنة الأهالي اعتصامات احتجاجية عدة أمام مصرف لبنان خلال الأشهر الماضية، ولفت حمية إلى أنه “يتم التحضير لاعتصام آخر قريبا للمطالبة بإلغاء هذا التعميم وإقرار القانون الداعم للدولار الطلابي”.
رابطة المودعين: حاكم المصرف يحمي المصارف على حساب الحق والقانون
من جهة ثانية، أصدرت رابطة المودعين، وهي مجموعة من الناشطين تضم لجانا في مجال الإقتصاد والقانون، بيانا ردت فيه على هذا القرار تحت عنوان رئيس “حاكم مصرف لبنان يقرر أقل من 28 دولار يوميا لطلابنا في الخارج تشمل الدراسة والمعيشة”، وجاء فيه: “على عادته، يصدر حاكم مصرف لبنان التعاميم والقرارات بالمفرق ليعالج ازمة مصرفية ومالية حرمت الناس من ودائعهم وجنى عمرهم، وعلى عادته ايضا، يصدر حاكم مصرف لبنان قراراته ليحمي المصارف ويشرع قيودها غير القانونية، وذلك على حساب الحق والقانون”.
ولفت البيان إلى أنه “عبر القرار الذي أصدره تحت رقم 13257 ارتقى حاكم مصرف لبنان من حماية الاعتداء على حقوق الناس ومخالفة القانون الى تهديد مستقبل طلاب لبنان في الخارج والداخل (…)”. وختم البيان: “ترى رابطة المودعين ان في ذلك خطة ممنهجة لإرجاع طلابنا وتدمير صورة لبنان العلم والكفاءات وكذلك تمهيد لقرارات قادمة لا اسس قانونية لها، وتؤكد الرابطة للمودعين وأهالي الطلاب بان هذا القرار مخالف للقانون لأنه يضع قيودا غير مشروعة على حق الملكية، تدعو الرابطة كل الطلاب واهاليهم للتواصل معها والتوجه الى القضاء، لان القرار لا يلغي القانون، فالقانون ينص على حقكم بسحب اموالكم وتعليم اولادكم حيث تشاؤون دون قيد او شرط”.
وفي سياق متصل، قال المحامي حسام الحكيم وهو من المتطوعين في اللجنة القانونية في رابطة المودعين لـ “أحوال”: القرار غير قانوني إذ يخالف قوانين عدة منها والقوانين التي يخالفها القرار هي النقد والتسليف والموجبات والعقود والتجارة، فهو يضرب حق الملكية ويحد من حرية الأشخاص بالتصرف بأملاكهم، وهو حق مقدس، ويقتل مستقبل وأحلام الشباب، فحاكم مصرف لبنان يغطي المخالفات المرتكبة بحق أموال المودعين من قبل المصارف، فالمصارف وكيلة على هذه الأموال وهي مجبرة على تسليم الوديعة سواء كانت بالدولار أو بالليرة اللبنانية.
وعن الخطوات المنوي اتخاذها من قبل الرابطة أشار الحكيم إلى أن “الاتجاه الأول هو تقديم مراجعة إبطال ضد القرار الصادر عن حاكم مصرف لبنان أمام مجلس شورى الدولة كونه قرار اداري نافذ وضار والاتجاه الثاني هو الاستمرار بتقديم الدعاوى امام القضاء العادي ضد المصارف لمخالفتها القوانين المرعية الاجراء”.
وأوضح الحكيم أن “الأهم هو تكثيف الدعاوى من قبل المودعين، وكوننا لا يمكن تقديم دعوى جماعية، كون كل حساب لديه حالة خاصة، يتم تقديم دعاوى من قبل صاحب الحساب، بهدف الحصول على أمواله”، وأضاف: “نتابع في اللجنة القانونية للرابطة الكثير من دعاوى المودعين، ونطالب بحقوقهم وودائعهم لدى القضاء المختص، خصوصا وأن المصارف تحايلت على كافة القوانين”.
جمعية المودعين: التحاويل لم تشمل المرضى في الخارج
توازيا، أصدرت جمعية المودعين بيانا ردا على قرار حاكم مصرف لبنان، مسجلة ملاحظاتها على استثناء الودائع بالليرة اللبنانية، وتطبيقه حصرا على الودائع بالعملات الأجنبية، وأن مبلغ 800 دولارا شهريا هو مبلغ ضئيل لمصاريف الدراسة والسكن وخلافه في الدول الأوروبية، خصوصا عندما يتم تحويله إلى اليورو، وأشار البيان إلى التحاويل لم تشمل المرضى في الخارج، والمودعين من غير اللبنانيين، فضلا عن المودعين الذين تأثروا بانفجار المرفأ ويحتاجون لهذه الودائع لإصلاح منازلهم ولأغراض العلاج والمصاريف الأخرى.
سوزان أبو سعيد ضو