بغياب تأليف الحكومة… تفعيل حكومة دياب الآن وليس غدًا
أمّا وقد أقفل لقاء بعبدا لتأليف الحكومة على “خيبة” وبات واقعًا أنّ لا حكومة. وبعد 7 أشهر مرّت على استقالة حكومة حسّان دياب، و7 أشهر من تصريف الأعمال في بلد منهك من جذوره، تعمّقت شروط الانهيار بعد أن استسلمت المؤسسات الدستورية للتعطيل تحت وطأة الفشل في تشكيل الحكومة. ولا يجد الوطن ولا المواطن من يأخذ بزمام الأمور ويفرمل هذا الانزلاق نحو نيران الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية وصولًا إلى الأمنية.
التغاضي عن المسؤولية والسعي إلى وقف الانهيار بات مسؤولية جماعية للمؤسسات الدستورية اللّبنانية والحكومة المستقيلة إحداها. تعثر تشكيل الحكومة حتى هذه اللّحظة يتطلّب في الحدّ الأدنى تفعيل عمل الحكومة وعودتها إلى الاجتماع، وفي الحد الأقصى عودة دياب عن استقالته، في ظل الظروف الاستثنائية التي يعيشها البلد.
“الاستثنائية” التي برّر الدستور اللّجوء إليها لتصريف الأعمال موجباتها متوفرة بكامل الشروط والمواصفات. منذ انفجار المرفأ وحتى الانهيار المتدرّج بخطوات متسارعة نحو الانزلاق شروط الاستثناء قائمة ومتوفرة وحيّة تقضم البلاد كما يلتهم الوباء أنفاس الناس.
البلد في أزمة كبرى وفي حال طوارئ قصوى. وهناك حالة كارثية تتطلّب اجتماع مجلس الوزراء، بمواجهة “الدلع السياسي” المتمثل في عمليّة تأليف الحكومة.
الخميس الفائت حدّد الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله خيارين أمام استمرار “التأزيم في تشكيل الحكومة”. الأوّل، هو العودة إلى “تفعيل الحكومة المستقيلة” والثاني “إيجاد حلّ دستوري قانونيًا يحفظ التوازنات الطائفية”. وفي سياق خيار تفعيل الحكومة المستقيلة، وصف نصر الله حسان دياب بـ”الرجل الوطني” وتوجّه له بالقول “مسؤوليتك الوطنية والأخلاقية تجعلك تتحمّل المسؤولية”.
بين الظروف الاستثنائية والفتوى البرلمانية يطغى التلاعب السياسي على “دستورية” البحث في تفعيل عمل الحكومة المستقيلة
هذا الكلام من السيّد نصر الله استدعى بعض الماكينات الإعلامية إلى تسريب خبر دعوة رئيس الحكومة المكلّف حسّان دياب إلى عقد جلسة لدراسة مشروع الموازنة، التي كان يفترض أن تُقر في خريف العام الماضي، ما يعني أن الدولة اللّبنانية ستواصل الإنفاق، وفق القاعدة “الاثني عشرية” أي من خارج الموازنة، لكن دياب لا يزال حتى اللّحظة متردّدًا في هذا الشأن.
وفيما تقول مصادر مطّلعة إنّ دياب، الذي يرفض الأمر بالمبدأ، حتى لا يغامر بمواجهة خاسرة مع بيئته، سيدعو، في حال لم يصل الاجتماع بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري إلى اتفاق بشأن الحكومة المقبلة، إلى اجتماع برئاسته ستجتمع في “أقرب فرصة” ممكنة لإقرار موازنة العام 2021.
دياب كان حسم الجدل القائم وخالف الدعوات لاجتماع حكومته لإقرار موازنة المالية العامة، وسط انقسام سياسي على خلفية دستورية. وفي حين ترى بعض القوى السياسية، استنادًا إلى المادة 64 من الدستور، أنّ اجتماع الحكومة غير دستوري في ظل تصريف الأعمال، يجد آخرون أنّ الضرورات التي تتمثل بانتظام المالية العامة، وهو أهم مبادئ إقرار الموازنة للإنفاق خارج قاعدة الإنفاق “الاثني عشرية”، تتيح اجتماع الحكومة المستقيلة استنادًا إلى تجربة سابقة في ستينيات القرن الماضي.
في المقابل، تعتبر جهات في السرايا الحكومية، إنّ “تفعيل الحكومة المستقيلة مخالف للدستور، والرئيس دياب لن يخالف الدستور”. وتنتظر السرايا فتوى برلمانية للقيام بمثل هذه الخطوة لافتةّ إلى أنّ “رئيس حكومة تصريف الأعمال لا يُمكنه أن يقرّر بمفرده تفعيل الحكومة، فهناك مجلس النواب، وهناك رئيس ومشروع تأليف”.
الفتوى النيابية التي ينتظرها دياب لم تأتِ أو أنّ ظروفها لم تنضج، فرئيس المجلس النيابي نبيه بري من أشدّ معارضي تفعيل هذه الحكومة وبما أنّ المجلس صاحب الحق في تفسير الدستور، فهو يقول إنّ إعادة إحياء الحكومة غير دستوري.
ما يرفضه بري يؤيده رئيس الجمهورية ميشال عون لجهة تفعيل الحكومة، وانضم إليه مؤخرًا تحوّل موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي بات مقتنعًا أنّه إذا تأخّر تشكيل الحكومة الجديدة، لا بدّ أن يفعّل رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب حكومته.
حليف جنبلاط، تيار المستقبل يرفض تفعيل حكومة تصريف الأعمال لاعتباره أنّها محاولة للضغط عليه في ملف تأليف الحكومة واستهداف لموقع الرئاسة الثالثة بالإبقاء على الفراغ فيها. ويعتبر مستشار رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، النائب السابق مصطفى علوش أنّ “تفعيل حكومة تصريف الأعمال يحتاج إلى تعديل دستوري، وتوضيح ما هو تصريف الأعمال بالنسبة لحكومة مستقيلة”، مشدّدًا على أنّ الغرق في هذا التفسير في ظلّ الأجواء المشحونة يحتاج للدرس”.
الظروف غير العادية، من مبرّرات اجتماع الحكومة في فترة تصريف الأعمال، بحسب الوزير السابق بهيج طبارة وعملًا بمبدأ استمرارية سير المرافق العامة، بحدوده الدنيا فمن واجبات الحكومة المستقيلة تسيير الأعمال الطارئة التي تمس بحياة الناس إلى أن يتمّ تشكيل حكومة جديدة، للحؤول دون حصول فراغ في مؤسسات الدولة. وفي ظلّ الأزمات العصيبة التي يعيشها الوطن اليوم ومع تفاقم الأضرار على كافة المستويات يصبح من واجب الحكومة المستقيلة أن تمارس صلاحياتها العادية للتصدّي لإقرار ما يجب إقراره للتخفيف من أعباء الأزمات المتلاحقة، بحسب طبارة.
التصريف أو “الأعمال التصرفية”، جرى تعريفها بحسب قرار صادر عن مجلس شورى الدولة في العام 1969، هي تلك الأعمال التي تؤدي إلى “إحداث أعباءٍ جديدةٍ أو التصرّف باعتماداتٍ هامة أو إدخال تغييرٍ جوهري على سير المصالح العامة أو في أوضاع البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحت طائلة المسؤولية الوزارية”.
التفسيرات الدستورية لتفعيل حكومة تصريف الأعمال أو العودة عن استقالة رئيس الحكومة إذا تعذّر التكليف، وهذه الحادثة حدثت لمرّة واحدة في تاريخ لبنان، حين عاد الرئيس سليم الحص عن استقالة حكومته في العام 1979، يختلف عليها خبراء الدستور أنفسهم. وفي أوراق تفسير الخبير الدستوري حسن الرفاعي، معارضة تامّة للعودة عن الاستقالة. وأنّ استعادة الحكومة أعمالها لا يتمّ إلّا عبر إصدار مراسيم تعيينها من جديد.
في حالة دياب اليوم “دستورية” التفسير والنقاش حول تفعيل الحكومة المستقيلة، لا مكان لها. الرئيس المستقيل متردّد، ورئيس المجلس النيابي رافض وتيار المستقبل ورئيسه المكلّف سعد الحريري لا يقبل النقاش بالأمر بتاتًا، فيما حزب الله والتقدمي الاشتراكي والقوّات اللّبنانية والتيار الوطني الحر راغبين بإمساك حكومة دياب زمام الأمور والتقدّم بحلول لأزمات الناس المتفاقمة.
الأزمة الخطيرة التي يمرّ بها لبنان ليس فقط مدعاة لعقد جلسة من هنا أو هناك لحكومة تصريف الأعمال، بل تتطلّب بشكل استثنائي أن يكون مجلس الوزراء في حالة انعقاد دائم لمتابعة تطورات الأوضاع الفالتة من عقالها واتخاذ التدابير اللّازمة بأسرع وقت. ومع صعوبة التأليف فإنّ تفعيل الحكومة بات ضرورة لضبط سعر الدولار والانهيار المالي ومنع تفلت الشارع.
رانيا برو