سياسة

لقاء بكركي وحزب الله… لا معلّق ولا مطلّق

البلاد تدور في حلقة مفرغة من انعدام التوازن والكلام في الشارع رغم سخونته لا يُغيّر من الواقع شيئًا. فيما معضلة امتحان الهويّة الوطنية والخيارات والدور الوطني، لا تزال تشغل الحيّز الأساسي من المناخ السياسي في لبنان. في قلب هذه المعضلة تتصدّر العلاقة، المأزومة التوجهات والسَلِسَة بروتوكوليًا، كلّ المواقف والإملاءات السياسية والمنهجية بين محورين.

“حزب الله في بكركي”، رغم التسريبات عن توجّه من هذا النوع إلّا أنّه لم يحن وقت مثل هذه الزيارة بعد. ومن المقرّر أن تجتمع لجنة الحوار بين البطريركية المارونية وحزب الله. وهذا الاجتماع سيكون الأوّل للجنة بعد التوتر الذي شهدته العلاقة بين الفريقين.

الاجتماع سبقه تبادل رسائل بين الفريقين ولقاءات بقيت بعيدة عن الإعلام. وتضمّ اللجنة كما هو معلوم: المطران سمير مظلوم والأمير حارث شهاب، والقياديّين في الحزب: محمد الخنسا ومصطفى الحاج علي عضوا المكتب السياسي.

مصادر مطلعة على خط بكركي – حزب الله تكشف أنّ ثمّة بحث جرى ويجري حول مشروع زيارة مرتقبة لوفد من حزب الله على مستوى رفيع إلى بكركي لكن لم يحدّد موعدها بعد. وتُفيد المصادر أنّ تأخير في الزيارة ليس ناتجًا عن تحفظ حزب الله بقدر ما هو رهن تهيئة الظروف لضمان نجاح اللّقاء.

الزيارة الحزبية التي يترأس وفدها عادةً رئيس المجلس السياسي السيّد ابراهيم أمين السيد ما زالت غير مقرّرة. ولم ترتسم موجباتها بعد، مع العلم أنّها انقطعت منذ زيارة الراعي الأراضي المقدسة، غير أنّ الاتصالات بين أعضاء اللّجنة استمرت يومها.

يستعيض الطرفان عن الزيارة الرفيعة المستوى باجتماع اللّجنة المشتركة بين بكركي وحزب الله، ذات العشرين عامًا. اللّجنة البروتوكولية لم تستطع كل تلك الفترة على الاتفاق إلّا على وجوب الحوار وحلّ بعض القضايا الاجتماعية والإنسانية حين تتقاطع الطرق منذ ولاية البطريرك مار نصر الله بطرس صفير حتى ولاية مار بشارة بطرس الراعي.

 

الانقطاع بين قضائي كسروان حيث بكركي وبعبدا حيث حارة حريك، تجاوز العام تقريبًا، الطرفان يشكوان ذنب كورونا، الذي باعد بين الجميع بمن فيهم الحزب وبكركي. لكن هذه المسافة بين القضاءين مليئة بالعناوين الخلافية سواء داخلية أم خارجية.

من الملف الحكومي إلى ملفات الفساد والتعيينات وانفجار المرفأ وإعلان الحياد وطلب المؤتمرات الدولية، اتسعت الهوّة بين المقرّين الحساسين في الصيغة اللّبنانية وترميمها يحتاج إلى الكثير من الجهد من الطرفين.

رغم المجاملات والحوارات البروتوكولية، لا بدّ من التذكير أنّ العناوين الخلافية في لبنان قديمة منذ نشوء الكيان اللّبناني بين جناحي لبنان المسلم والمسيحي، في مراحل الانتداب التركي والفرنسي إلى سنوات الوحدة العربية بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر، والاستنجاد بالأم الحنون، إلى الحرب الأهلية التي ذهب التطرّف خلالها للاستنجاد بالإسرائيلي خوفًا من الفلسطيني.

المأزق عينه ماثلًا أمام اللّبنانيين لأنّ فكرة الوطن لم تتحقق بعد ولم يتم إرسائها بعد الطائف ودولة المواطنة المدنية العلمانية التي تجمع الطوائف المختلفة دفنها نظام المحاصصة الطائفية والزبائنية والحزبية.

الخوف من الآخر لا يزال مستوطنًا في نفوس اللّبنانيين، والمسيحيون هم الفئة الأكبر من المتوجسين، الذين أعاقتهم مخاوفهم من الانخراط مع الآخر، وعيش انتصاراته.

من هذه الهواجس، تطغى لغة الخصام وتتكاثر الخيارات الخاطئة ومنها الاستنجاد بالغرب والطرف الآخر من العالم. الحياد وطلب التدويل وتطبيق الفصل السابع في لبنان هم أبناء هذه المخاوف غير الشرعيين، يقول أحد العقلاء، ولذلك المطلوب لبنانيًا من الطرفين المقبلين على التواصل والحوار أن يضعا الأسس للبحث في الحلول الممكنة لإخراج الوطن وأهله من الأزمات الخطيرة التي يعيشونها، وليس الاكتفاء باستعراض عمل لجنتهم المشتركة التي تلتقي بالمناسبات، ولا استخدام مفردات المجاملات التقليدية.

 

هذه الأصوات وصلت إلى أعضاء اللّجنة، ممثل حزب الله في اللّجنة عضو المكتب السياسي محمد الخنسا، يُصرّ على التأكيد لــ”أحوال” أن الحوار مفتوح على كلّ شيء بلا حدود. ويؤكد أنّ العقل الإيجابي موجود لتقبّل مناقشة كافة العناوين، وحول كلّ شيء بدون مجاملات.

ويحلو للخنسا أن يكون الحوار مرتكزًا على ما أفضت إليه زيارة البابا فرنسيس إلى العراق من عناوين “الأخوة” و”التآخي” و”التعايش” وتستند إلى المعاني العميقة للقاء القمة بين البابا والمرجع الأكبر السيد علي السيستاني، في النجف. وطبعًا وصولًا إلى مواقف البطريرك الراعي والإشكاليات التي خلفتها في الفترة الأخيرة.

 

التركيز على الحوار المفتوح شأن الجانب البطريركي أيضًا، بحسب المطران سمير مظلوم، والهدف منه إعادة إطلاق الحوار حول المواضيع المطروحة حاليًا وتحديدًا ما طرحه البطريرك الراعي حول الحياد حيال ما يجري في المنطقة، والدعوة إلى مؤتمر دولي خاص بلبنان تحت رعاية الأمم المتحدة للخروج من أزمة تشكيل الحكومة والأزمات الاقتصادية.

الاجتماع في مكتب يملكه عضو اللّجنة حارث شهاب في منطقة الحازمية، قد يتجاوز معضلة القطيعة إلّا أنّه لن يتجاوز الخلافات الاستراتيجية. المسلّمة التي يتفق عليها الطرفان، أنّه لا يمكن لطرف أن يستقوي على الأخر ولا أن ينبذه خارج المعادلة اللّبنانية، هذه ثابتة يُدركها حزب الله وهو يرفع لواء الحوار والتلاقي حتى مع أشدّ خصومه فكريًا. لذلك رفض تصعيد السجالات مع بكركي سواء من جانب عناصره وقياداته أو مؤيديه. وهو بحسب مواكبين لاتجاهاته، مدرك تمامًا حساسية اللّحظة المضطربة التي تعيشها المنطقة، والحصار الذي يعانيه لبنان بسبب خيارات المقاومة والقرار السياسي اللّبناني، لا يريد انقسامًا في الشارع يُعيد تجربة العام 2005 وتداعيات القرار 1559 والتدخلات الدولية لتغيير وجه لبنان واستهداف سلاح المقاومة.

هذا كلّه في كفّة، والانهيار المؤسساتي والمالي والاجتماعي في كفّة أخرى، يرتاب من تبعاتها الحزب ويرغب بالرغم من كلّ الخلافات إلى الخروج بصيغة حكومية تُعيد انتظام المؤسسات اللّبنانية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الاحتراق في جهنم.

من هذ المنطلق فإنّ الحزب يريد من التلاقي الداخلي دون تدخلات خارجية، أن يتقدّم على أيّ اشكالات سياسية تتحوّل لاشتباك طائفي حول الكيان اللّبناني وصورته ودوره.

هل تخرج لقاءات اللّجنة باتفاق يتجاوز جميع الخلافات، أم يتراجع أحدُ الطرفين عن موقفه؟ بالطبع لا لكنّها ستكون استكمالًا لرحلة “التشاور وتنسيق المواقف وتدوير الزوايا” بين الصرح بما يمثل في الحاضرة اللّبنانية، والحزب بما له من وزن وحضور سياسيين.

 

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى